الحسد آفة وسلوك شيطاني يعشش في نفوس العديد من الأشخاص الذين لن يهداوا إلا إذا نفذ حسدهم فيمن يحسدونهم ولا يمكن أن نتهاون بهذه الآفة لأنها وراء كل الصراعات سواء بين الأفراد أو بين الأمم.
والحاسد عادة لا يرضى بوجود متفوقين عليه في مجال ما و يصعب عليه شعوره بالدونية أمامهم كالشيطان الذي لما طلب الله منه ومن الملائكة السجود لآدم اغتاظ وشعر بالدونية وحاول إظهار نفسه أنه خير من آدم بقوله :(قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ – 12- الأعراف).
وبعد محاولة إظهار خيريته على آدم تعدى غلى إظهار حسده بقوله: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا 62- الإسراء)وتوعد بحرب بلا هوادة على آدم وذريته.
والحاسد كالشيطان تماما يجعل نفسه فوق الجميع ويعطي لنفسه صورة مغشوشة لا تعكس نفسيته المريضة ثم يبدأ بحربه على من يحسدهم بدء بتمني زوال اي نعم الله عنهم ويقول الله سبحانه عن هؤلاء ” {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ- 5- النساء).
و قد تصل حدة الحسد عند الحاسد بالتفكير في إنهاء وجود من يحسدهم ولو بالقتل وهو ما كان في أول جريمة سفك دماء على الارض منذ بدء الخليقة حيث قام قابيل بقتل أخيه هابيل حسدا منه لما تقبل الله منه قربانه”( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ- 27- المائدة).
وكذلك إخوة يوسف عليه السلام لما حسده إخوته بسبب شعورهم بحب أبيهم له أكثر منهم فكروا في إنهاء وجوده أولا بقتله ثم عدلوا ورموه في الجب.
وإذا وقفنا على بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم نرى كيف أن أهل الكتاب بالرغم من أنهم كانوا بيستبشرون بمجيئه إلا أن الحسد تملكهم لأنهم كانوا يتمنون أن يكون آخر الرسل منهم (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَب عَلَى غَضَب وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) -البقرة)
وظل أهل الكتاب من اليهود والنصارى يسعون إلى يومنا هذا إلى إبادة المسلمين أو إخراجهم من دينهم و أعلمنا الله أن تصرفهم هذا بسبب حسدهم فقال سبحانه وتعالى: “وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ – 109- البقرة ).
و قد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الحسد وعواقبه الخطيرة بقوله ” «إيَّاكْم والحسدَ، فإنَّ الحسدَ يأكُلُ الحسناتِ كَما تأكُلُ النَّارُ الحطبَ أو قال: العُشب» رواه ابو داود.
ما هي الانعكاسات الصحية على نفس وجسد المحسود؟
حدد علماء أن أعراض الحسد تظهر على المال، والبدن، والعيال بحسب مكوناتها، فإذا وقع الحسد على النفس يصاب صاحبها بشيء من أمراض النفس، كأن يصاب بالصدود عن الذهاب للكلية، أو المدرسة، أو العمل، أو يصد عن تلقي العلم ومدارسته واستذكاره وتحصيله واستيعابه، وتقل درجة ذكائه وحفظه، وقد يصاب بميل للانطواء والانعزال والابتعاد عن مشاركة الأهل في المعيشة.
علاج الحسد من القرآن و السنة و أدعية
الرقية الشرعية كقراءة الفاتحة، وآية الكرسي، وخاتمة سورة البقرة من قوله: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ… إلى نهاية السورة)، ،و سور الإخلاص، والمعوذتين، وبعض الأدعية النبوية، كقوله صلى الله عليه وسلم:” أعيذك بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة”.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : ” كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ” رواه مسلم.
وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ “يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ” . رواه مسلم.
أقوال عن الحسد
يقول الإمام الشافعي:”كلُّ العداوةِ قد تُرْجى مَوَدَّتُهَا ******* إلاَّ عداوةَ من عَادَاكَ عن حَسَدِ”
وهنا يقدم لنا الإمام الشافعي تعريفاً دقيقاً للحسد وهو ذلك الداء الذي لا يشفى منه صاحبه، فهو إن تمكن من الإنسان حوّله إلى عدو لأخيه الإنسان. ويقدم الشافعي للقارئ تبسيطاً لأي نوع من أنواع العداوة بحيث يمكن أن يتحول صاحب العداوة إلى صديق واستثنى من ذلك من في قلبه حسد تجاه الآخرين.
ويقول الحسن بن علي بن أبي طالب “هلاك المرء في ثلاث: الكبر والحرص والحسد؛ فالكبر هلاك الدين، وبه لُعِنَ إبليس؛ والحرص عدو النفس، به أخرج آدم من الجنة؛ والحسد رائد السوء، ومنه قتل قابيل هابيل.”
أنهي لأقول “(كَفَى الحَاسِدَ مَذَمَّةً أنَّ اللهَ تعالى أَمَرَنَا أن نَسْتَعِيْذَ مِنهُ كَما أَمَرَنَا أن نَسْتَعِيْذَ مِنَ الشَّيْطَانِ سَوَاءً بِسَوَاء).
ليلى العود