إن أكبر مهدد للأخلاق وللسياسة وللبلاد ليس ذلك الشجار أو حتى السباب الذي يحصل بين الفينة والأخرى في مجلس نواب الشعب أو خارجه بل هو تسرب الرشوة والفساد داخل الطبقة السياسية فتفقد السياسة نبلها وتحصل قطيعة كلية أو جزئية بين الشعب ونخبه السياسية.
وأخلقة العمل السياسي تبدأ أساسا باستبعاد كل المرتشين والمشبوهين منه واحترام صارم وكامل للقانون في تمويل الأحزاب وخاصة تمويل حملاتهم الانتخابية.
ويشتكي التونسيون، مواطنين ومسؤولين وأحزابا، منذ سنوات من تدني مستوى الخطاب السياسي وانفراط عقد القواعد الأخلاقية في الممارسة السياسية، ما دفع نوابا وأحزابا إلى تغيير مواقعهم ومواقفهم باستمرار، وأدى إلى موجة عزوف كبيرة للمواطنين عن العمل السياسي وتراجع منسوب الثقة بالمؤسسات والأحزاب.
وتعالت منذ فترة نداءات “لأخلقة” المشهد السياسي.
السياسة والأخلاق: أي علاقة؟
رغم كل الأوصاف التي توصف بها السياسة كممارسة بأنها مهنة المهمّات القذرة وعمل يعتمد على الكذب والنفاق وشراء الذمم؛ ورغم كل الشبهات والحقائق التي تحيط بالسياسة والسياسيين وأنهم مصلحيون تسلقيون منافقون سياسيا…
لكن يرى عدد من الملاحظين أن السياسة كغيرها من المجالات؛ الإنطباع الذي يؤخذ عنها مرتبط بمن يعمل فيها ولهذا فإن السلبيات التي تطفو على السطح لا يجب أن تلتصق بالمجال ذاته بل بالأشخاص الذين بزاولون المجال؛ وهم على اختلاف فمنهم المرتشي والفاسد والسارق، ومنهم المخلص والمجتهد الوطني.
واعتبار فساد السياسة في بلادنا وتعفن ممارساتها لا يجب أن يكون تبريرا للابتعاد عن ممارسة السياسة أو محاربة من يمارسها.
الفساد السياسي
يُعرَّف الفساد السياسي حسب المنظمة العالمية للشفافية؛ بأنه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصّة، أو استعمال الوظيفة العامّة للمصلحة الخاصّة.
وكل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع أشكاله إلا أن اكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب.
ورغم أن الفساد السياسي يسهل النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم الأخرى.
وتختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى.
فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير قانونية في بلد آخر.
وقد تتحول الممارسات التي تعد فسادا سياسيا في بعض البلدان الأخرى في البلدان إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان التي توجد فيها جماعات مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية.
أخلقة السياسة في تونس
ولا يجب أن تكون الرداءة السياسية والمستوى الأخلاقي المتدني لبعض النخب السياسية في تونس داعيا للانغماس في نفس تلك الممارسات لأجل الحصول على منافع شخصية أو حزبية.
فالأصل أن نعمل بأخلاقنا لا بأخلاق الوسط السياسي؛ بل وأن نعمل على أخلقته والرقي به حتى يصبح للعمل السياسي فائدة حقيقية ترجع على المواطن والدولة بالخير والإزدهار
وأخلقة العمل السياسي وتعرية التعفن السياسي وتدني الأخلاق هي أكبر مهمة يمكن للسياسي الشاب أن يبدأ بها وأن يدخل لعالم السياسة منها.
لا أخلاق في السياسة: مقولة خاطئة
المعلومات المسبقة والمتداولة من أن لا أخلاق في السياسة، وأن السياسة تعادي الأخلاق مقولة خاطئة.
وهي نتاج بعض الممارسات وبعض السياسيين الذين عرّاهم التاريخ أمثال ميكافيلي الذي كان يقول بأن الغاية تبرّر الوسيلة… فمهما نبُلت الغاية فإن خبث الوسيلة أو عدم اخلاقيتها يجعل من تلك الغاية خيانة وعملا دنيئا..
ويعتبر المتابعين للشأن السياسي في تونس أن تعفن الواقع السياسي واستمرار السكوت عليه أو مجاراته يهدد منظومة الحكم ولا يكرس إلا للخيانات والمؤامرات الداخلية والخارجية..
إن الفساد بحسب متابعين، ما كان لينتشر لولا وجود بيئة أو حاضنة سياسية عملت على تغوّله، حيث أصبحت محاصرة الفساد بآليات قانونية وتنظيمية مهمّة صعبة، لأنّه بات اليوم ظاهرة أفقية وليست عمودية.
وفي عالم السياسة سنكون أمام مطلب “أخلقة السياسة” أي تغليف العمل السياسي بحزمة أخلاق.
فالعمل السياسي مثل كل الأعمال الأخرى يحتاج إلى قيم وأخلاق, فلا يجب أن تصطدم نبُل الغاية بخبث الوسيلة.