سيادة الرئيس قيس سعيد كان يوم فوزك بالانتخابات الرئاسية يوم فرح في تونس لي ولاغلب الشعب التونسي و حتى في العالم العربي خاصة فلسطين وغزة بالتحديد..كان فرحنا طبعا منطلقا من شعاراتك التي أرسلتها عن التطبيع والخيانة العظمى و عن إيمانك بإرادة الشعب و بالثورة ووعودك بالحفاظ عليها وتحقيق أهدافها.
لكن سيادة الرئيس أول سقوط لشعار “الشعب يريد” كان مجيئك – وفق إرادتك أنت -بشخصية لم تنل ثقة الشعب ولفظتها إرادته في الانتخابات الرئاسية وهو إلياس الفخفاخ ..وعلاوة على نكران إرادة الشعب لم تراعي ميولاته الفكرية التي تعادي هوية اغلب الشعب و تصب في إحلال ما حرم الله كشرب الخمر و إباحة المثلية الجنسية ومطالبته بعدم تجريمها وعدم التشدد مع متعاطي المخدرات وكل هذا تحسبوه هينا وهو عند الله عظيم…فالذي يتطاول على أحكام الله سوف يهون عليه الشعب ومصالحه.. والأمرُّ من هذا أنك لم تعتذر للشعب عن سوء إختيارك له لما ظهرت قضية تضارب المصالح.
الصدمة الثانة التي تلقيتها منك ما كان في زيارتك لفرنسا..كم جعلتني أشعر بالهوان ..في الاول قابلت ماكرون وانحنيت على كتفيه تقبله و كمامتك على وجهك ثم نزعتها لما وجدت ماكرون دون كمامة ..قد يعتقد البعض ان هذه المسألة بسيطة لكنها غير ذلك عندي لأني رايتها عدم ثقة في النفس ومواصلة الاقتياد بالأسياد..ثم كانت المصيبة الكبرى لما قلت ان فرنسا أتت لتونس للحماية وليس للاستعمار كالجزائر.. وقلت بأن من اراد في تونس إثارة هذا الماضي ويطالب الاعتذار من فرنسا نيته في هذا التوقيت غير بريئة ..لا بل نبهت فرنسا أنها إذا اعتذرت فذلك بمثابة الاعتراف باستعمارها لنا (Qui s’excuse s’accuse).
كان عليك ان لا تهتم بنوايا من أثار هذا التاريخ الأسود بل ابداء موقفك من استعمار فرنسا لنا ومطالبتها في عقر دارها بالاعتذار على جرائمها البشعة والفظيعة في حق المسلمين التي مازالت تمارسها في افريقيا الوسطى و في ليبيا و غيرهما من الدول.
زيارتك لفرنسا لا تدل على تحقيق اهداف ثورة شعب يحلم بالكرامة قبل الخبز بل لقد انتهكت كرامتنا واكتفينا بالتسول وبطلب الانجازات في تونس و أرجو ان لا يكون المقابل تعيين من ترضى عليهم فرنسا في دواليب الدولة ..وفي هذا كشف الناطق السابق باسم وزارة الداخلية العميد هشام المؤدّب في قناة الزيتونة بتاريخ 9 جويلية 2020 أن الفرنسيين طلبوا بعد زيارة الرئيس قيس سعيد تعيين شخصية أمنية في رئاسة الجمهورية ليكون حلقة اتصال بين الفرنسيين وتونس موضحا أن هذه الشخصية هي أمني سابق وقيادي في حزب البديل برئاسة مهدي جمعة.. وأشار المؤدّب إلى أنه كان هناك محاولة منذ شهر لتعيينه مديرا عاما للأمن الوطني..ويا ليتنا سيادة الرئيس قيس سعيد نقف على حقيقة هذا الطلب خوفا منا من ان الذي يرضى بتعيينه من قبل فرنسا هو في الاصل ارتمى في احضان الغرب ولا نعلم ماهو الدور الذي سيقوم به لفائدة فرنسا إنطلاقا من قصر قرطاج.
كما اني لاحظت من تصريحاتك في فرنسا الميل الى المحور الاماراتي المصري الروسي والفرنسي في ليبيا وهو ما جعل وزير الخارجية اليوناني يهرول الى قصر قرطاج بعد زيارتك لفرنسا وكأن التصريحات هناك حول ليبيا طمأنتهم أنك مع محورهم ضد تركيا.. ونحن نعلم أن اليونان هي اكبر عدوة لتركيا وتهددها مؤخرا بالحرب وهي كذلك الراعية لمصالح اسرائيل في المتوسط ..و طبعا لا أذكر هذا لرغبتي في اصطفافك مع تركيا بل املا في حيادك ان كان ليس لك موقف واضحا من الصراع الدائر هناك.
آتي الآن إلى موضوع الهجرة غير النظامية و أذكر أنه بعد لقائك بتاريخ 27 جويلية 2020 بوزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامورجيزي وتم خلال اللقاء التأكيد على دعم إيطاليا لتونس واستعدادها لتقديم المساعدات التي تحتاجها لوقف التدفقات الهجرية نحو إيطاليا أسرعت سيادة الرئيس بتاريخ 2 أوت 2020 إلى صفاقس ليس لتقف على مشاكل الولاية والتهميش المتعمد لها عبر عقود بل لترمي الكرة في سلة خصم سياسي -لم تذكره- وقلت إن أطرافا سياسية تقف وراء تنظيم الهجرة غير النظامية للقول وللايحاء بان العملية الانتخابية وخاصة الرئاسية لم تؤدي الى تحقيق اهداف الشعب التونسي…فهل اصبح من اهداف ثورتنا حراسة حدود الآخرين وضرب الخصوم السياسيين عند هذه الدول؟
فهل بالحلول الامنية وبالرسائل السياسية ستعالج مشكل هجرة الشباب اليائس في بلده لصيح في لامبادوزا فور وصوله ”خبز وماء وتونس لا؟“
هل السعي لضرب الخصوم السياسيين عند ايطاليا سيوقف تدفق قوارب الموت اليها؟
هل فكرتم في توظيف الاف الشباب العاطل عن العمل عوض القيام بتلغيم الادارة عن طريق الولاءات والمحسوبية؟
هل سألتم أنفسكم كيف يتحصل السياسيون على راتب بالملايين ودخل آلاف الأسر زهيد جدا جدا ولا يفي حاجاتهم مما يجعلهم يفرون من وطنهم؟
آتي الآن إلى قضية حساسة والهبت مشاعرنا بقولك بخصوصها إن كل من يتعامل مع كيان شرد وقتل شعبا يرتقي للخيانة العظمى. لكنك انقلبت على مواقفك واعتبرت ان استعمار فرنسا التي قتلت واغتصبت وهدمت البيوت في تونس كان عبر معاهدة حماية وليس استعمارا….فحسب قناعتك هذه سنعتبر وجود إسرائيل في فلسطين ليس خيانة عظمى وهم الذين دخلوها ليس بوعد بلفور اولا بل سبقته في ذلك فرنسا ام المصائب حيث لما تحطمت آمال نابليون بونابرت في العام 1799 على أسوار عكا دعا كل يهود آسيا وأوروبا للقدوم إلى القدس قائلا “أيها الإسرائيليون انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة، إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملةً إرث إسرائيل، سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم”.
فهل يمكن ان نقول ان إسرائيل دخلت لفلسطين بحمل فرنسا لإرثها وبوعد بلفور ونقبل بوجودها ولا نعتبره إحتلالا وذلك حسب قناعتك ان فرنسا دخلت لتونس للحماية؟
كان عليك إذن ان تقول لنا في حملتك الانتخابية وفي المناظرة التلفزية ان وجود اسرائيل كان عن طريق وعد بلفور ودعوة بونابرت وليس احتلالا واستعمارا بما أن قناعتك بخصوص وجود فرنسا في تونس هو حماية وليس استعمارا..وهنا كنت لا تحصل على ذلك العدد من الاصوات في الانتخابات.
ثم بالنسبة لتطبيع دولة الإمارات مع الكيان الصهيوني كنت أتمنى بعد فترة صمتك على هذا القرار أن تدعو سقير الإمارات بتونس وليس سفير فلسطين فيها لتقول له أنتم أحرار في قراركم وستكونون مسؤولين امام الله وشعبكم وكل الامة على ما اعتبره أنا قيس سعيد وشعبي خيانة عظمى…كما كنت أتمنى أن تمنح أرملة الشهيد محمد الزواري الجنسية التونسية عوض أسماء موالين للمطبع للنخاع محمد دحلان.
أما الصدمة الكبرى التي سببتها لي فهو خطابك البارحة الذي بكيت عند سماعه.. .بكيت لاني افتقد القائد الذي اشعر بقوته مع اعداء الامة وبلينه مع ابناء بلده..كنت انتظر منك ان تجمع الفرقاء وتؤلف بين القلوب فاذا بك انحزت الى سياسة الاقصاء التي آلت في النهاية إلى مثل ما سمعناه منك البارحة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل بناء دولة قوية وعادلة آخى بين الأوس والخزرج لأنه لا يمكن بناء دولة قوية وافرادها بمثل هذا الحقد والغل الذي نراه على الطبقة السياسية اليوم والتي ينقلب فيها الكل على الكل.
خرجت البارحة كعادتك تتوعد وتبث في نفوسنا الرعب والخوف الذي مارسته من قبل في حديثك عن الغرف المظلمة والصواريخ وتفجير الدولة من الداخل ووو..ونحن الذين كنا نامل الامن والامان معك ..اتهمت أطرافا البارحة بالارتماء في أحضان الصهيونية و الإستعمار (الحماية بمفهوم البعض) وهو ما يرتقي للخيانة العظمى للوطن ..وكعادتك لم تسمي هذه الاطراف وهو ما يعني التستر على هؤلاء الخونة الذين تسكت عنهم وتلمح لهم عند غضبك مما قاله بعض النواب في جلسة منح الثقة لحكومة هشام المشيشي…وليت اهل القانون يجيبوننا ما الحكم ضد المتسترين عن مثل هذه الجرائم الكبرى.
فبصفتي انتخبتك سيادة الرئيس اطلب منك ان تذكر الان وليس غدا للشعب التونسي من هم الذين يتآمرون على الوطن ويرتمون في أحضان الصهيونية والإستعمار.. كما اطلب منك ان تكون الرئيس المحب لكل الشعب ولكل الطبقة السياسية وان تعمل على انهاء الخلافات بينهم والغل الذي في قلوبهم والذي آمل ان لا يتعدى ذلك الغل الذي سينزعه الله يوم القيامة من صدور المؤمنين(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ- الحجر -15).
وختاما..
هل ندمت على إنتخابك سيادة الرئيس؟ نعم ندمت ولا أرى فيك الرجل القوي الذي يمثلني .. وقررت ان لا أمارس حقي في الانتخابات القادمة إذا مازال في العمر بقية لاني فقدت ثقتي في اغلب السياسيين ..وأسألكم إلى أين ستأخذون وطننا العزيز بخصوماتكم وبالخطابات والخطابات المضادة بينكم والتي تجعلكم كأنكم في بيت العنكبوت التي ينقلب فيها الكل على الكل و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت؟
وفي النهاية يقيني أن من يحلم منكم بإعادة الحكم الفردي و المستبد والمتسلط والمركع للشعوب وهو ما يتداول الآن عن محاولة قلب نظام الحكم في تونس فهو واهم ..ولن يعود العصفور للقفص مهما حاولت القوى الخارجية بتواطؤ مع أيادي داخلية.. ..وكما قلت أنت سيادة الرئيس سيكون الشعب قادرا على سحب الوكالة ممّن خان الأمانة والوكالة وربما يكون ذلك قريبا لو واصلت الطبقة السياسية هذا العبث الذي نرى ونسمع.
رئيس تحرير موقع الصدى