في حواره مع موقع الصدى، بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة، تحدّث الناشط السياسي والحقوقي اسكندر الرقيق عن مكتسبات الشعب التونسي بعد عشر سنوات من الثورة، وتحدث عن العراقيل التي عطّلت مسار الانتقال الديمقراطي، وعن الوضع الاقتصادي لتونس 2021 كيف سيكون.
بعد عشر سنوات من الثورة، وعشر سنوات من انتقال ديمقراطي متعثّر، ماهو المكسب الذي حققه التونسييون؟
أهم مكسب حقّقه التونسييون عبر الثورة هو الحريّة، ومجموعة الحريات التي حققتها تونس بعد الثورة لا تُقدّر بثمن خاصة لشعب عاش تحت وطئة الاستبداد عقودا طويلة.
تجارب الانتقال الديمقراطي الناجحة في العالم أقصت المنظومة القديمة على الأقلّ مدّة عشر سنوات، لكن حكومة الترويكا بإعتبارها كسبت ثيقة التونسيين في أوّل انتخابات بعد الثورة، أخطأت التقدير بعدم قطع الطريق ومنع المنظومة القديمة من العودة إلى الفعل السياسي فترة كافية، حتّى نضمن إستقرار الوضع وإستقرار مؤسسات الدولة وإرساء منظومة تشريعية متجدّدة واستكمال مسار الانتقال الديمقراطي.
حكومة الترويكا لم تدافع عن مطلب العزل السياسي ضد رموز النظام القديم لأنها كانت تحت قصف الإعلام والإرهاب المخابراتي والإغتيالات السياسية، الذي دفعها إلى القبول بما أسمّيه المصالحة المشوّهة.
ولولا الواقع الذي فرضته جائحة كورونا من ضرورة الالتزام بالحجر والتباعد الجسدي، لشاهدنا احتفال التونسيين والتونسيات بذكرى الثورة ككلّ سنة انطلاقا من يوم 17 ديسمبر إلى 14 جانفي، ولرأينا التونسيين يستعيدون شعارات الثورة، لأنها ذكرى عزيزة على كلّ الشرفاء والوطنيين.
عودة المنظومة القديمة إلى التموقع في الساحة السياسيّة.. هل أغلقت قوسي الثورة؟
تمظهرات المنظومة القديمة تمتّعت بمكتسبات الثورة وعادت للتموقع في الساحة السياسيّة عبر الصندوق واستتفعت بقيمة الحريّة التي دفع في سبيلها التونسيون دمائهم.
ففي مرحلة أولى بدأت المنظومة القديمة في التموقع مخفية عبر حركة نداء في شكل حزب جديد بزعامة المرحوم الباجي قائد السبسي، ثمّ في مرحلة ثانية عادت المنظومة للتموقع بالمكشوف خلال الانتخابات التشريعية 2019، عبر أسوء أشكالها الحزب الدستوري الحرّ.
لكن رغم كلّ هذا، فإنّ الشعب التونسي بما في ذلك نخبه الفكرية والسياسية واعية بأهمية الفرصة التي أتاحتها الثورة لهم وللبلاد، وأنا أعتبر أنّ الشرفاء كُثر والوطنييون كُثر ومازال على هذه الأرض الطيبة رجال ونساء يعملون على تحقيق آمال الأجيال القادمة.
اذن، هل تعتبر أنّ الحزب الدستوري الحرّ فقط من يمثّل المنظومة القديمة في السّاحة السياسيّة اليوم؟
الحزب الدستوري الحر في الواجهة هو الممثل الرسمي للمنظومة الرّديئة، لكن للأسف نجحت بعض العوامل من ضمنها وجود هذا الحزب الفاشي في جرّ بعض الأحزاب السياسية المحسوب على الثورة التي تأمّل منهم الشعب التونسي الكثير من الدفع نحو الأمام بإتجاه التغيير والنهوض بوضعه الاقتصادي والاجتماعي، وكنا نحسبهم منحازين للثورة ومنحازين للإصلاح، لكن للأسف وجدانهم اليوم لا يختلفون في أفعالهم وتعبيراتهم عن أفعال وتعبيرات الحزب الفاشي.
والبعض الآخر من الشرفاء والوطنيين تمّ جرّه للأسف إلى ساحة الترذيل عبر دفعه إلى ردّ الفعل، وهذا التعمد لترذيل السياسيين والحياة السياسيّة في تونس ليست إعتباطيّة أو عفويّة بل هي ممنهجة وتعمل ضمن أجندة واضحة بهدف اخماد الحس الثوري.
وقد نجحت المنظومة القديمة، بالإضافة إلى وجود عوامل أخرى من بينها الإعلام الموجّه ضدّ الثورة، في جعل بعض المحسوبين على خيار الإصلاح ينخرطون إمّا في أحلام ساكن قرطاج القادم من كوكب آخر، وإما منخرطة في سياق المنظومة المتعفّنة التي تعمل على تقسيم التونسيين بين من دمهم أحمر ودمهم أسود.
إن أكبر خطر يهددنا اليوم هو تنامي منسوب الحقد والكراهية الذي جعلنا نشاهد العنف اللفظي والمادي في أعلى مؤسسات الدّولة وهي المؤسسة التشريعية التي انتخبت لإرساء التشريعات وإدارة البلاد وفق ما يخوّله لها الدستور وأنتخبت للقيام بإصلاحات تنهض بالبلاد لا لفتح باب التجاذبات والترذيل.
جائحة كورونا التي لم نرى لها مثيلا منذ مائة عام، ألقت بضلالها على كلّ العالم، لكن عندما نأخذ بعين الاعتبار واقع الانتقال الديمقراطي الذي تعيش على وقعه تونس منذ 10 سنوات، نجد أنّ الجائحة قد أثرت في بعدها الأوّل على نفسيّة التونسيين، نظرا لتراجع قيمة العمل، وانتشار ثقافة التواكل وهذا أخطر ما قد يصيب الشّعوب، أخطر حتى من الجوائح. لأنّ البناء القيمي للمجتمعات هو الأرضيّة الوحيدة الملائمة للنهوض والتقدّم.
أما على المستوى الاقتصادي، مقارنة بالدّول التي مرّت بفترات انتقال ديمقراطي، فإنّ الوضع في تونس يُعتبر مقبولا وواقعيا، ومتوقعا.
اذن هل يمكن اعتبار أنّ مؤشرات النمو الايجابية التي تحدّث عنها تقرير البنك الدولي مؤخرا في علاقة بما يمكن أن تحققه تونس، ليس مجرّد توقّعات؟
نعم هو ليس مجرّد توقعات، فتونس يمكن أن تحقّق خلال هذه السنة نسبة نمو قد تصل إلى 5 بالمائة، وهو ما يعني عودة الناتج القومي الخام التونسي لمستوى 2018 و2019، بشرط إستعادة نشاط وفاعلية المحركات الثلاث وهي عودة إنتاج الفوسفاط إلى نسقه الطبيعي، وعودة النشاط السياحي الذي توقف تماما بسبب انتشار الوباء، وفتح الطريق أمام شركاء جدد يساعدون تونس في مجال اكتشاف البترول واستغلاله.
إضافة إلى شرط إيجاد المحركات الاقتصادية الثلاث وتعافيها، يجب أيضا أن تتوقف أصوات المطلبيّة النقابية والاعتصامات التي هتكت بالبلاد ودفعت الحكومات المتعاقبة إلى توريط الدولة التونسية في إتفاقيات لا يمكن تنفيذها في الوقت الراهن،
إذن، إستعادة هذه المحركات، يجب على تونس أن تحقّق نسبة نمو ايجابية وع للخروج من واقع الانكماش الاقتصادي الذي ساهمت في وقوعه جائحة كورونا التي أضرّت بأعتى الأنظمة الإقتصاديّة في العالم حيث أصبحنا نرى دولا عظمى تعاني أزمات إقتصاديّة حادّة، لهذا لا يمكن اعتبار الأزمة الاقتصاديّة في تونس كارثيّة، خاصة وأنها كانت متوقعة.