تمرّ اليوم الأربعاء 15 ديسمبر 2021، 5 سنوات عن اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري في سيارته أمام منزله في مدينة صفاقس من طرف “الموساد”، وكان مسرح الجريمة تحديدا في طريق العين بصفاقس بواسطة 20 رصاصة من مسدسين كاتمين للصوت فاستقرت ثماني رصاصات في جسده خمس منها في جمجمته.
ولم تسجل قضية اغتيال المهندس محمد الزواري أي تقدم بعد مضي 5 سنوات عن العملية، فقد كان آخر تفاعل رسمي معها ندوة صحفية تعود إلى 11 ديسمبر 2018 تاريخ ندوة صحفية عقدتها وزارة الداخلية التونسية قالت فيها ان ما كشفته لا يتعدى 15 بالمائة من الرواية الكاملة لحقيقة الاغتيال وذلك حفاظا على سرية التحقيقات.
ولم يتم توجيه أي اتهام قضائي صريح لأيّ جهة لكن القضاء كشف في 2018، عن هوية العنصرين الذين نفذا عملية اغتيال الزواري. وقال القضاء، آنذاك، إن العنصرين يحملان الجنسية البوسنية، وأن بلادهما رفضت تسليمهما باعتبار أن قانونها (البوسنة) يمنع تسليم رعاياها لدول أخرى.
وإثر إعلان اغتياله نعت كتائب القسام الفلسطينية في بلاغ أصدرته 17 ديسمبر 2016، مؤكدة أن الزواري التحق بصفوفها وعمل فيها قبل عشر سنوات، وأنه كان “أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية” التي كان لها دور في حرب “العصف المأكول” مع الكيان الصهيوني سنة 2014.
واتهمت القسام دولة الكيان الصهيوني بالوقوف وراء اغتيال “الشهيد المهندس القائد محمد الزواري”، ولمّحت إلى إمكانية الرد على هذه العملية لأنها “اعتداء على المقاومة الفلسطينية وعليها”.
وهو ما أكّدته اليوم في منشور مقتضب يذكر بحادثة الاغتيال قالت فيه ” يوافق اليوم ذكرى اغتيال العالم التونسي محمد الزواري على يد الغدر الصهيونية في مدينة صفاقس بتونس، حيث كان أحد قادة مشروع الطائرات بدون طيار في كتائب القسام”.

وبدورها أكدت وسائل إعلام صهيونية، سنة 2016، دور الزواري في تطوير القدرات العسكرية لحماس، فقد ذكرت القناة الثانية الإسرائيلية وموقع “واللا” العبري أنه شارك في معسكرات الحركة بكل من سوريا ولبنان وكان كثير التردد على تركيا.
وأضافت أنه زار قطاع غزة المحتل ثلاث مرات عبر الأنفاق فقدم للمقاومة الفلسطينية معلومات مهمة وأشرف على تطوير برنامج القسام العسكري، ولا سيما مشروع “طائرات أبابيل” حيث برزت قدراته الهندسية ونبوغه التكنولوجي.
صفاقس تحيي ذكرى الشهيد
انتظمت مساء السبت 11 ديسمبر 2021، وسط مدينة صفاقس، وتحديدا من امام المسرح البلدي، تظاهرة تنشيطية، إحياء للذكرى الخامسة لاستشهاد الدكتور المهندس الطيار، محمد الزواري، وذلك ببادرة من فرع صفاقس للرابطة التونسية للتسامح بالتعاون مع عدد من النوادي العلمية التي كانت البذرة الأولى لنشاط الشهيد بصفاقس منها نادي طيران الجنوب الذي أسّسه الشهيد ونادي الاستكشافات البحرية بالمركب الشبابي بصفاقس ونادي الطيران النموذجي بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية ونادي الميكانيك بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس.
وعبّر رئيس فرع صفاقس للرابطة التونسية للتسامح، سمير المطيبع في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، عن فخره واعتزازه ان يتولى الشباب احياء الذكرى الخامسة للشهيد محمد الزواري من خلال تقديم نتاجهم العلمي في مجال الطيران والميكانيك والاستكشافات البحرية في هذه التظاهرة، حيث اعطى الشباب من خلال هذه العروض رسالة مفادها ان خط الشهيد لا يزال متواصلا، معربا عن أسفه أن يراوح ملفّ الشهيد محمد الزواري مكانه للسنة الخامسة على التوالي “وكأنه بات ملفا مقبورا من قبل الحكومات المتعاقبة قبل وبعد 25 جويلية”، وفق ما نقلته وكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وفي هذا السياق، دعا رئيس فرع صفاقس للرابطة التونسية للتسامح وبصفته ايضا رئيس فرع صفاقس لحزب التيار الشعبي، سمير المطيبع، الطبقة السياسية المؤتمنة على تسيير شؤون البلاد، إلى توليها المسؤولية الاخلاقية والسياسية والقضائية كاملة لحل ملفات اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحمد الزواري لما تتضمنه من انتهاك للسيادة الوطنية وحرمة البلاد.
وقد تضمنت التظاهرة التنشيطية لإحياء الذكرى الخامسة لاستشهاد الدكتور المهندس محمد الزواري، عروضا لإنتاج النوادي العلمية المشاركة فضلا عن عروض موسيقية في الفن الملتزم ولوحات رقص من الدبكة الفلسطينية.
الاغتيال… رواية “حماس”
كشفت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بمناسبة الذكرى الأولى لاغتيال الزواري تفاصيل عملية اغتيال القيادي في الجناح العسكري للحركة “محمد الزواري”، مسؤول وحدة المشاريع في (قسم التصنيع) بالجهاز العسكري، وفق ما عرفته الحركة في وثائقها.
وقال نائب رئيس قيادة “حماس” في الخارج محمد نزال في مؤتمر صحفي عقده ببيروت يوم 16 نوفمبر 2017 إن اللجنة التي تضم الجهات المختصة والمعنية في الحركة قدمت خلاصة تحقيقاتها وأعمالها التي اعتمدتها قيادة الحركة في الخارج، وإنها قررت مخاطبة الرأي العام بالحقائق والمعلومات الجوهرية، والإعلان عنها.
وكشف نزال عن تفاصيل عملية الاغتيال التي قال إن الموساد هو من يقف خلفها ويتحمل مسؤوليتها مع وجود تعاون “لوجستي”، ساهمت فيه أجهزة وجهات أمنية أخرى، خصوصا ما يتعلق بالملف المعلوماتي والعملياتي.
وكشفت وثائق حركة حماس أنّ عملية الاغتيال مرت بـ 3 مراحل، كان أولها جمع معلومات أولية عن الشهيد عن طريق شخص ادعى أنّه مجري الجنسية اسمه كريس سميث “Chris Smith” ادّعى أنه يعمل بشركة إعلامية، ويرغب في التعامل مع المدرسة الوطنية للمهندسين حول صنع الطائرات بدون طيار لمراقبة أنابيب النفط وتصويرها عن بعد.
وتعرف على سميث على الشهيد، وعرض عليه مشروعاً، زعم أنه تابع للاتحاد الأوروبي، لكن الشهيد رفض التعامل معه، بسبب اشتباهه به، وأخبر بذلك الدكتور المشرف عليه وبعض زملائه في الجامعة.
وفي المرحلة الثانية تقدّمت الصحفية المدعوة “م.ح” في شهر جوان 2016، بطلب وظيفة، وأرسلت سيرتها الذاتية لصاحب إعلان على موقع على الإنترنت يطلب مساعدين، وبعدها بيومين، اتصل بها هاتفياً، شخص يدعى “يوهان”، سويسري الجنسية، وأخبرها أنه سيتصل بها بعد حوالي شهرين ونصف.
في هذه المرحلة، تقدّمت الصحفية المدعوة “م.ح” في شهر 6/2016، بطلب وظيفة، وأرسلت سيرتها الذاتية لصاحب إعلان على موقع على الإنترنت يطلب مساعدين، وبعدها بيومين، اتصل بها هاتفياً، شخص يدعى “يوهان”، سويسري الجنسية، وأخبرها أنه سيتصل بها بعد حوالي شهرين ونصف.
في 6/9/2016، التقى “س. ز”مجدّداً بـ “م.ح” في فيينا، وأخبرها أن الشركة ستُنتج أشرطة وثائقية، عن ست دول من بينها تونس، لفائدة قناة “tv1” الماليزية، وستتمحور مواضيع الأشرطة حول ثلاث نقاط رئيسة (الطيران، الطب، التعليم القيادي)، مقابل 100 يورو يومياً، وأشار “س. ز”على “م.ح” ضرورة الاهتمام بشخصية “محمد الزواري” المعروف بتميّزه في مجال صناعة الطائرات الصغيرة.
وبناءً عليه باشرت “م.ح” تكوين فريق من معارفها وأقاربها مكّون من (مصور، مترجم، وسائقين)، وصوّرت أول فعالية شارك فيها الشهيد في منطقة (سمنجة بولاية زغوان) بتونس، حول الطيران في شهر 9/2016.
ثم استمرت في التردد على صفاقس، وتصوير فعاليات نادي الطيران، بواقع نشاط أو نشاطين شهرياً، والارتباط مع المشاركين في الفعاليات، بالأخص مساعد الشهيد في النادي، حيث كانت تنسّق معهم، وتحصل من خلالهم على معلومات عن الأنشطة التي يقومون بها، بما فيها أنشطة الشهيد.
وفي 22/10/2016 أجرت “م.ح” أول حوار صحفي مع الشهيد، على هامش فعالية تتعلّق بالطيران نظّمتها الجامعة الوطنية للعلوم الإلكترونية، وقد أعلمته أنها بصدد التحضير لشريط وثائقي سيتم بثه خلال شهر آذار/مارس 2017 بقناة tv1 الماليزية، لكنه اعتذر عن إجراء المقابلة التي كانت قد طلبتها منه “م.ح”.
أما المرحلة الثالثة التي سبقت تنفيذ العملية بأسابيع قليلة، ورد في التقارير والإفادات أنه تمّت ملاحظة أكثر من عملية مراقبة ورصد قريب لمنزل الشهيد من قبل أشخاص مجهولين، وردت مواصفاتهم حسب الإفادات على النحو التالي:
1.فتاتان، تكرّر مراقبتهما لمنزل الشهيد لأكثر من أربع مرات، وتم إبلاغ أمن المنطقة بالأمر من قبل أحد أقارب الشهيد.
2.شوهد شخص مجهول، أكثر من مرة يراقب محيط منزل الشهيد، وتتبّع زوجته في إحدى المرات.
3.ادّعى شخصان أنهما من “مصلحة المياه”، بعد أن تم الحديث معهما من قبل أحد أقارب الشهيد بعد ملاحظتهما من قبل زوجة الشهيد، حيث كان وجودهما أمام منزل الشهيد لافتاً، خاصةً وأنهما يحملان جهازاً كانا يستخدمانه أثناء وقوفهما.
ووفق “حماس” تمّ التحضير لوجستيا لتنفيذ العملية في هذه المرحلة اعتمد التحضير “اللوجستي” للعملية على مجموعتين تم تجنيدهما (تجنيد مغفل)، بصورة منفصلة، بحيث لا يعرف أحدهما الآخر:
•المجموعة الأولى (س. س / س. م): وتمّت من خلال تجنيد المدعو (س.س) بتاريخ 8/2016، بعد إرساله طلب توظيف لفرصة عمل عبر “الفيسبوك”، تعود لشركة Swiss management” “، تعمل في مجال الدراسات الاقتصادية، مقرّها سويسرا، ولديها فرع في النمسا، ومن ثم تجنيد صديقه المدعو (س.م) بنفس الطريقة في 9/2016، بعد أن أشار عليه “س.س” بتقديم طلب توظيف لنفس الشركة، وقد تعامل معهما نفس الشخص “س.ز” لكن باسم “فتحي ميدو”، وكذلك يوهان (هولندي الجنسية)، وطلبا منهما مجموعة طلبات، تمثّل أبرزها في:
1.استئجار شقتين (واحدة في العاصمة، وأخرى في صفاقس)، بغرض استخدام صحافيين من جنسية عربية قادمين من الخارج. (تم استئجار شقة صفاقس لمدة عام بتاريخ 10/2016).
2.شراء (هواتف محمولة نوع سامسونعy-3 عدد2، وشرائح هاتف لشركة أورنج عدد 2، وعلبة سجائر من الصنع التونسي، وجريدة تونسية)، والسفر إلى المجر وتسليمه إياهم (شهر 9/2016).
3.الذهاب إلى منطقة “بوشبكة” الحدودية مع الجزائر، والبحث عن مقهى أو مطعم وتصويره، بحجة أن (يوهان، وميدو) ينويان القيام بجلسة عمل في المطعم برفقة مجموعة أشخاص من إحدى الجنسيات العربية.
4.استئجار سيارتين بلوحة عادية (غير سياحية) وبمواصفات محدّدة، وعندما تعذّر ذلك طلب منهما شراء سيارتين بنفس المواصفات، وقد تم ذلك في 11/2016، حيث تم شراء وتسجيل سيارتين باسم “س.م”، الأولى نوع “هونداي H1” بيضاء اللون ذات تسعة مقاعد، والثانية نوع “سيتروين C4 ” بيضاء.
5.بتاريخ 7/12/2016، طُلب منهما تنظيف الشقة المستأجرة، وتجهيزها بطعام لثلاثة أشخاص.
6.في 12/12/2016، طُلب منهما أن يوقفا السيارتين في أحد الشوارع، بالقرب من منزل الشهيد، ولكن (س.س/ س.م) ارتابا بالأمر، وخشيا أن يتورّطا كون السيارتين مسجّلتين باسم “س.م”، فرفضا ذلك وقاما بتأمين السيارتين بمنزل والد “س.م”، الأمر الذي أثار استياء “ميدو” فطلب منهم بيع السيارات، وتسليم المنزل لصاحبه، وقام على الفور (يوهان وميدو) بتغيير رقمي هاتفيهما.
•المجموعة الثانية: هي مجموعة “م.ح” التي كوّنتها من خلال أقاربها ومعارفها بغرض تصوير ومتابعة نشاطات الشهيد، حيث إنه عندما فشل مسار المجموعة الأولى، طلب (س.ز/ميدو) مباشرة من “م.ح”:
1.قائمة لبعض الفنادق والمطاعم الفاخرة بالعاصمة، حتى تساعد فريقاً تابعاً للشركة سيأتي لزيارة صفاقس والعاصمة.
2.استئجار سيارتين (ووضع مفتاح أحد السيارتين في الثانية مع وضع مفتاح الثانية خلف العجلة الأمامية اليمنى) بغرض استخدامه من قبل فريق تابع للشركة سيأتي لزيارة صفاقس، وتصوير مكان إيقاف السيارتين وإرسالهما إلى ” س.ز “.
3.مغادرة البلد بعد ذلك مباشرة حتى يلتقي بها “يوهان” في المجر.
•وافقت “م.ح” على تلك الطلبات، فاستأجرت برفقة زوج أختها ” ع.س “، بتاريخ 13/12/2016، سيارتين الأولى من نوع “رينو ترافيك”، والثانية “كيا بيكانتو”، وتم تسجيل البيانات باسم “ع.س”، وركنتهما بالمكان، والكيفية التي طلبوها منها، ثم سافرت يوم 14/12/2016 إلى المجر.
أما عن كيفية الاغتيال وأسلوب التنفيذ، فكشفت حماس أنّه:
•وصل المنفّذان الرئيسان (س.ز، وشخص آخر) بجوازات سفر بوسنية عبر المطار إلى تونس، وتوجّها الى صفاقس صباح يوم 15/12/2016.
•جلس المنفّذان من الساعة 11:30 وحتى 13:20 في مقهى cafee twins” ” القريب من منزل الشهيد، ومن ثم غادرا المقهى، وركبا سيارة فان (رينو ترافيك/رمادية اللون)، التي كان يقودها سائق.
•تم تخصيص ثلاث مجموعات ميدانية في مكان عملية الاغتيال موزعة على النقاط التالية:
1.الأولى، نقطة رصد في بداية الشارع الرئيسي عند مدخل الشارع الفرعي لمنزل الشهيد.
2.الثانية، لمراقبة مخرج الانسحاب من مكان التنفيذ.
3.الثالثة، نقطة التبديل النهائي للمجموعة المنفّذة.
•عند عودة الشهيد إلى منزله من المركز الطبي (الذي كان قد ذهب إليه للحصول على نتائج فحوصات مخبرية) بحدود الساعة 13:40، جرى رصده من قبل المجموعة الأولى، وفور دخوله إلى الشارع الفرعي المؤدّي إلى منزله، ووقوفه على مدخل كراج المنزل، تبعته سيارة الـ”رينو ترافيك”، التي لها بابان يفتحان بشكل كامل “انزلاقي” من الجانبين.
•وعند توقّف الشهيد وإطفائه لسيارته وإمساكه بجهازه الخلوي، ومفاتيح سيارته بيديه، التصقت سيارة الرينو (Van) بسيارة الشهيد من الجهة اليمنى لسيارته، ثم فتح الباب الانزلاقي لسيارة “الفان”، وقام المنفّذان بإطلاق النار عليه من مسدس من نوع “براوننج” عيار (9) مم مزوّد بكاتم صوت.
•أصابت الأعيرة المطلقة فك الشهيد العلوي، ورقبته، وقلبه مخترقة الهاتفين، اللذين كان يحملهما بيده اليسرى، وكتفه الأيسر، ومناطق أخرى (8 طلقات) ، إضافة الى إصابة البوابة الرئيسية للمنزل بـ(3) أعيرة، واختراق عيارين للجانب الأيمن من سيارته، حيث توفّي الشهيد مباشرة بتلك الطلقات.
•بالتزامن مع تنفيذ العملية، وصل بحاران أوروبيّان عن طريق البحر، استئذنا من ربّان السفينة مغادرة الميناء، حيث حضرا إلى نفس المقهى بالقرب من منزل الشهيد (على الرغم من أن البحارة لا يسمح لهم بالابتعاد عن الميناء)، جلسا فيه لفترة ثم عادا إلى منطقة الميناء (اشتبه بهما جهاز الأمن المحلي وألقى القبض عليهما، ولكن تحت ضغوط من سلطات بلديهما، تم إطلاق سراحهما).
وأخيرا “الانسحاب”، حيث توجه المنفذون بعد تنفيذ عملية الاغتيال إلى نقطة التبديل الثالثة، قاصدين السيارة المركونة هناك (التي كانت تراقب المكان لهم، وكانت مركونة عند مخرج الشارع الفرعي من الجهة الخلفية)، فاستقلوها، وتركوا سيارة “رينو ترافيك”، التي تم التنفيذ بواسطتها مكانها، تاركين ظروف طلقات نارية عدد (3) وحقيبة تحتوي على الأسلحة النارية المستخدمة عدد (2) بعد إغراقها بسائل حمضي لإزالة أي وجود للبصمات لهم عليها.
وكذلك تم العثور على سيارة “كيا بيكانتو” مهملة في صفاقس، وتم العثور على جهازي هاتف جوّال دون بطارية، ومزوّدين بشرائح تونسية مسجّلتين باسم “س.س”، بعدها فرّ المنفذون تجاه الساحل لمدينة صفاقس، والمتوقع أنهم هربوا عن طريق البحر إلى جهة غير معروفة.
الاغتيال.. وفق وزارة الداخلية
بتاريخ 11 ديسمبر 2018، قالت وزارة الداخلية إنها تعرفت على الأسماء الحقيقية لمنفذي اغتيال محمد الزواري، مشيرة إلى أن أموالا طائلة تم إنفاقها على العملية التي تم التحضير لها خارج البلاد.
وأوضح الناطق باسم وزارة الداخلية العميد خليفة الشيباني في ندوة صحفية أن “أحد المنفذين نمساوي يدعى كريستوفر، وقد قدّم نفسه على أنه مهتم باختراعاته (الزواري) خاصة التحكم بالغواصة عن بعد”، بالإضافة إلى شخصين آخرين يحملان الجنسية البوسنية هما ألفير ساراك وآلان كانزيتش.
وتابع أن تونس وجهت مذكرات قضائية للسلطات البوسنية والسويدية والبلجيكية والتركية والكوبية والمصرية واللبنانية والكرواتية لتسليم متهمين في عملية اغتيال الزواري.
واعتمدت فرق التحقيق على كاميرات المراقبة في الطرقات ومناطق عدة بجهة صفاقس، التي شهدت حادثة الاغتيال، في كشف المسارات والسيارات التي استخدمها فريق الاغتيال بجانب عمليات تعقبه لمحمد الزواري في حادثة القتل والانسحاب.
وجاء في الندوة الصحفية أنه تم اختراق هاتف الزواري ومنه تمت عملية مراقبته، ويعزز هذه الفرضية -بحسب المتحدث- إتلاف القتلة هاتفه بعد اغتياله، لافتا إلى أن منفذي الجريمة “كانوا على درجة عالية من الحرفية”.
وأنّه جرى إنفاق أموال طائلة لتصفية الزواري في مخطط شارك فيه تونسيون تبين لاحقا أنهم لم يكونوا على دراية بالجريمة وتم الإعداد لهم مسبقا خارج البلاد.
وبدأت الأعمال التحضيرية لعملية الاغتيال منذ عام 2015 وكانت كلها خارج تونس في أوروبا الشرقية ونيويورك، بحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي.
ومن خلال التحريات، تم التعرف على جميع الأماكن التي توجه إليها منفذو عملية الاغتيال الذين قاموا بمخططهم “بسرية” وذهبوا إلى مدن مختلفة قبل الجريمة للتمويه.
ومن المعلومات التي كشف عنها أن منفذي الاغتيال وجدوا بصفاقس قبل يوم واحد من تنفيذ الجريمة، ووجدوا بالقرب من مسرحها قبل ساعتين من قتل الزواري.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحكومة التونسية أعطت معلومات خاطئة حول الشهيد محمد الزواري إثر استشهاده وقبل أن تعلن “حماس” أنّه أحد مهندسيها، حيث قال وزير الداخلية آنذاك الهادي المجدوب في ندوة صحفية بتاريخ 19 ديسمبر 2016 أن الزواري متمتع بالعفو التشريعي العام وله جنسية بلجيكية إلا أن شقيق الشهيد رضوان الزواري نفى عبر قناة نسمة ما ادعاه المجدوب.
ولم توجه الحكومة التونسية تهمة اغتيال الشهيد المهندس محمد الزواري إلى “الموساد” الإسرائيلي وأجهزته الاستخبارية بالرغم من ان كل الدلائل تشير إلى ذلك ومن بينها التقرير الذي نشرته حركة “حماس” حول ملابسات الاغتيال واكتفى وزير الداخلية آنذاك الهادي المجدوب بالقول إنه لا يستبعد أن يكون جهاز أجنبي مورط في العملية، مضيفا أنه ليس له الدلائل على ذلك.
وفي مرحلة أخرى وأمام الضغط الشعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أعلنت السلطات التونسية جاءت تصريحات وزارة الداخلية. وإلى اليوم (2021) مازالت السلطات التونسية تتكتم على نتائج التحقيق في عملية اغتيال محمد الزواري.
الزواري.. المهندس الطيار
محمد الزواري هو مهندس طيران ومخترع تونسي ولد سنة 1967 في ولاية صفاقس، درس الهندسة وعاش سنوات طويلة منفيا بين عدة دول عربية. اعتُقِل الزواري زمن حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي بعد الأحداث التي ارتكبتها السلطات الأمنية يوم 8 ماي 1991 في عدة جامعات تونسية، وكانت تتويجا لحملة أمنية على “الاتحاد العام التونسي للطلبة” بدأت بصدور قرار تجميد أنشطته يوم 29 مارس 1991
وبعد الإفراج عنه غادر تونس فتنقل بين ليبيا التي أقام فيها مدة قصيرة والسودان وسوريا حيث استقر وتزوج بسيدة سورية عام 2008، وعمل هناك قرابة عشرين عاما قبل أن يعود إلى تونس.
وأثناء إقامته في سوريا ربط الزواري علاقات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فكان مقربا منها، وتعاون مع جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام التي استفادت من مهاراته العلمية في تنفيذ مشروعها لتأسيس وتطوير طائرات مسيرة دون طيار.
بعد عودة الزواري من المنفى إلى تونس عام 2011 سجل للدكتوراه في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وكان يعد رسالة تخرجه حول اختراع غواصة تعمل بنظام التحكم عن بعد، وقد كانت رسالة تخرجه في مرحلة ما قبل الدكتوراه عن صناعة الطائرات دون طيار.
واشتغل مديرا فنيا في إحدى شركات الهندسة الميكانيكية، وأستاذا جامعيا في المدرسة الوطنية للمهندسين، كما أسس وترأس “نادي الطيران النموذجي بصفاقس” الذي يدرب الشباب التونسي على تصنيع الطائرات من دون طيار، وفيه صنع الزواري طائرة دون طيار عام 2015 وجربها بمنطقة سيدي منصور وكان أيضا عضوا في “نادي علوم وقيادة”.