أعادت أحداث ليلة أمس في مطار تونس قرطاج الجدل الذي يرافق كل مرة الإجراء الحدودي S17″. وأعاد إلى الواجهة الجدل الذي أحدثه منع شخص مُصنف ضمن الإجراء الحدودي”s17″ من عبور مطار تونس قرطاج، التساؤل عن جدوى هذا الاجراء الأمني.
الإجراء S17 هو أكثر الإجراءات تداولا في تونس وتضرر منه آلاف المواطنين، وهو عبارة على استشارة يقوم بها عون الأمن أثناء عبور المواطن الخاضع لهذا الإجراء، لكنه تحول بعد ذلك إلى أوامر صريحة بحظر السفر رغم غياب أي حكم قضائي بذلك.
وفي غياب أرقام رسمية عن عدد الأشخاص الخاضعين لإجراء S17، نشرت منظمة العفو الدولية سنة 2018 تقريرا أشار إلى أن “وزارة الداخلية قيدت حركة ما يقارب 30 ألف شخص منذ 2013 في إطار إجراءات سرية تعرف باسم S17 وهي إجراءات لا يمكن للعموم الإطلاع عليها وتفتقر إلى الإشراف القضائي الكامل”.
الإجراء الحدودي S17 يدعى بـ “الاستشارة قبل المغادرة”، لكنه فعليا لا يتعلق بالاستشارة بقدر ما ينص على الحد من التحركات بين الولايات والمدن والمنع من التحول خارج تونس ضمن آلية قيود الحركة على التنقل والسفر.
المحكمة الإدارية على الخط
أصدرت المحكمة الإدارية مجموعة من الأحكام القضائية لفائدة مواطنين وضعوا قيد الإجراء الحدودي S17. وبينت المحكمة أنها وبإصدارها تلك الأحكام أكدت تكريسها لجملة من المبادئ المستقر عليها في عديد القضايا المماثلة والمتعلقة بعدم شرعية الإجراء الحدودي S17 بالاستناد إلى أنه طالما لم يتضمّن التشريع الوطني أيّ إجراء قانوني يسمّى(S17) يُطلق يد الإدارة في الحد من حرية الأفراد المشتبه فيهم في التنقل دون حكم أو إذن قضائي فإن وزير الداخلية يكون قد استحدث إجراء جديدا يحد من الحريات لم ينص عليه القانون.
…تحت الحصار
آلاف المواطنين يوضعون سنويا قيد ما يعرف بالإجراء الحدودي S1، قيد غير محدد بزمن معين وقد اعتبرته المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس “اعتباطي ودمر حياة الأشخاص الخاضعين له خاصة وأن هذه التدابير غير قانونية ولا يعلم بها الشخص الخاضع لها إلا أثناء إيقافه للتأكد من هويته”.
وقد تسبب هذا الإجراء في منع الآلاف من المواطنين من التنقل ما تسبب في خسارة بعضهم وظائفهم وآخرون باتوا يعانون مشاكل عائلية ونفسية كبيرة..
ولكن وعلى الرغم من أن الآلاف اعتبروه إجراء غير منصف ويحد من حريتهم في التنقل إلى درجة أنهم أطلقوا حملة “سيبني نعيش” فإن وزارة الداخلية اعتبرته إجراء وقائيا لحماية البلاد من كل الخروقات.
مصنفون بالصدفة
يجمع ضحايا “S17″ إلى أنه لم يتم إعلامهم بهذا الإجراء إلا عن طريق الصدفة بعد منعهم أو تعطيلهم من السفر أو بمناسبة استخراج وثائق رسمية. ففي السادس من ديسمبر 2016 تم استدعاء معز الوشني لمنطقة الأمن بولاية بن عروس بحجة وجود إشكال في بطاقة هويته، ليجد نفسه في وضعية استجواب لساعات طويلة من أعوان الأمن بشبهة إرهابية، لتتحول حياته بعد ذلك التاريخ لسجن كبير.
بدوره، محمد ضياء عرب شاب عمره 30 سنة أصيل مدينة منزل بوزلفة أحد ضحايا الإجراء الحدودي”أس 17″ أقدم على الانتحار حرقا .
ويقول اسكندر عرب شقيق محمد ضياء في شهادته “خويا مات مقهور على خاطر الإجراء الحدودي الي عملوهولو رغم الي ماعندوش لا قضايا لا سوابق خويا عاقل اما غاضتو 3 سنين وهو تحت المراقبة الادارية”.
و. س هو ضحية أخرى منعته القيود من السفر وحرمته من الإرتزاق وذللك منذ إدراجه بالإجراء الحدودي “S17” في أعقاب أحداث بن قردان سنة 2016 على خلفية وشاية كيدية وفق قوله.
وأكد أن تنقلاته من الجنوب التونسي إلى العاصمة والمطالب الكثيرة التي تقدم بها لوزارة الداخلية لم تفلح في تسوية وضعه رغم تأكيدات مصالح الوزارة نفسها في رفع الحظر وتخفيف القيود.
هيثم بن عياد هو الآخر ضحية يشترك مع بقية ضحايا الإجراء الحدودي في معاناة تتفاقم عبر السنوات، لكن ربما معاناته تتخذ صبغة أكثر تراجيدية.
فهو كان بحاجة لاستخراج جواز سفر وبطاقة السجل العدلي في آجال محددة بغرض السفر لمواصلة دراسته في الخارج غير أنه ضاعت فرصته، في مظلمة يتعرض لها منذ 2006 عندما كان يبلغ من العمر 18 سنة على خلفية مشاركته في مظاهرات لنصرة فلسطين بعد أحداث سليمان.
رد وزارة الداخلية
في فيفري 2019، قال مدير عام حقوق الإنسان في وزارة الداخلية محمد علي خالدي، في تصريح إعلامي، إنّ الوزارة أصدرت ملحوظة مهنية بعدم تطبيق الإجراء الحدودي “S17” داخل المدن واعتماده فقط في نقاط العبور الحدودية.
وتعتبر وزارة الداخلية أن الإجراء الحدودي مسألة أمنية بامتياز ولا يمكن الخوض فيها بأي شكل من الأشكال.
وتقول وزارة الداخلية إن الإجراء الحدودي “S17 ” هو إجراء يقضي فقط بالإستشارة في وضعية أشخاص من المواطنين التونسيين أو الأجانب ثبتت لوزارة الداخلية بمعطيات جدية علاقتهم بالمجموعات الإرهابية سواء من خلال سعيهم إلى الإلتحاق بهذه الجماعات ببؤر التوتر أو بالجبال التونسية أو بمساندتهم بشريا وماديا ليتسنى لهم تنفيذ عمليات إرهابية”.
وتؤكد في معرضه ردها على الانتقادات التي تطال هذه الإجراء الحدودي أن هذا الإجراء يجد سنده القانوني” فيما يخوله الأمر عدد 50 المنظم لحالة الطوارئ للسلطة التنفيذية من اتخاذ تدابير استثنائية بصفة وقتية إلى حين زوال موجبها بما فيها تلك المتعلقة بمراقبة التنقل والجولان داخل التراب التونسي وعند مغادرته أو الحلول به”.
وكشفت في المقابل تقارير حقوقية وتحقيقات صحفية أن هذا الإجراء يستغل في تقييد حرية أشخاص تشتبه وزارة الداخلية في علاقتهم بالإرهاب أو بشبكات الدعارة خارج البلاد التونسية التي تستغل تونسيات في نشاطاتها وأن اتخاذه يتم بالاستناد لتقارير أمنية تستند للمظهر الخارجي “للشخص” أو الشكوك التي تحوم حول ضلوعه في نشاط مشبوه لدى مصالح الأمن.
هذا الإجراء الذي بوبته وزارة الداخلية ضمن إستراتيجيتها الوطنية لمقاومة الإرهاب، والحد من سفر الشباب إلى “بؤر التوتر” منذ 2013، تصفه منظمات حقوقية محلية ودولية بغير الدستوري، وبانتهاكه لأبسط حقوق الأفراد في التنقل بحرية، سواء داخل تونس أو خارجها، كما أن المحكمة الإدارية أقرت بعدم شرعيته، لكن رغم ذلك تواصل الأجهزة الأمنية في البلاد تطبيقه على الأفراد بشكل تعسفي.
لا أرقام رسمية
لا توجد إحصائية رسمية بعدد ضحايا الإجراء الحدودي، فيما تتحاشى وزارة الداخلية الحديث عن هذا الإجراء والمشمولين به، لكن منظمات حقوقية في تونس على غرار “مرصد الحقوق والحريات” الذي يعد مقره ملجأ لآلاف الأشخاص من ضحايا هذا الإجراء، تقول إن عددهم يتجاوز مئة ألف شخص بين ذكور وإناث.
يقول المدير التنفيذي لمرصد الحقوق والحريات بتونس، مروان جدة، إن قرابة 50% من المشمولين بالإجراء الحدودي “أس 17” (S17) لم تطأ أقدامهم مراكز الشرطة ولم يسافروا خارج التراب التونسي ولم يصدر ضدهم أي قرار قضائي، ولكنهم رغم ذلك وجدوا أنفسهم مصنفين تحت هذه “الاستشارة الأمنية” بغير علمهم، بحسب ما وثقه المرصد.
ويقر مدير المرصد بعدم دستورية هذا الإجراء الذي تحول حسب وصفه لعصا غليظة في يد الداخلية لفرض انتهاكات جسيمة ضد الأفراد داخل البلاد وخارجها خصوصا من المشمولين بالعفو التشريعي العام من ضحايا النظام السابق وخصوصا الإسلاميين.
ويؤكد أن أغلب المشمولين بهذا الإجراء يكتشفون مصادفة ذلك إثر توقيفهم في المعابر الحدودية البرية والجوية والبحرية من خلال إجراءات تفتيش روتينية، والأخطر من ذلك أن وزارة الداخلية تحرمهم من أي وثيقة تثبت إخضاعهم لهذا الإجراء لتمكينهم من التظلم لاحقا لدى الجهات القضائية.
مرصد الحقوق والحريات سبق أن أطلق في 2014 و2016 حملات توعية للتنديد بهذا الإجراء الذي بات يهدد حياة الأشخاص ويمنعهم من التنقل والبحث عن عمل أو قضاء شؤونهم اليومية، كما حرم العشرات منهم من استخراج وثائق إدارية مهمة على غرار جواز السفر وشهادة حسن السيرة والسلوك.
وفي أكتوبر 2018 أقرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بانتهاك الإجراء الحدودي للحقوق الأساسية للإنسان تحت ذريعة المحافظة على الأمن، وخلصت إلى أن هذا الإجراء لا يخضع لأي رقابة قضائية ويتم تنفيذه بطريقة انتقائية، تعتمد على المظهر والممارسات الدينية والإدانات الجنائية.
تجمع المنظمات الحقوقية المحلية والدولية أن التدابير الإستثنائية ووضع قيود على السفر منافية تماما لحقوق الإنسان ومخالفة لكل القوانين.