وراء تصعيد الاتحاد التونسي العام للشغل، دعواته للإضراب العام في عدد من الولايات أسباب معلنة وأخرى خفية، خصوصا مع عدم حصول مبادرته للحوار الزخم الكافي سواء من رئاسة الجمهورية أو عدد من الفاعلين السياسيين .
فقد أعلن اتحاد الشغل على سلسلة من الإضرابات العامة الجهوية في كل من صفاقس وقفصة والقصرين وسليانة…
ويعتبر البعض أن اتحاد الشغل، ربما يسعى عبر دعواته للإضراب إلى طرح نفسه كرديف سياسي، لأحزاب هزمت في الانتخابات.
ومع تصعيد الاتحاد التونسي العام للشغل لدعواته للإضراب، لا تتوقف الأسئلة حول دور الاتحاد المقبل، وما إذا كان طامحا للدخول للحلبة السياسية كحزب معارض.
ويواجه الاتحاد، انتقادات كثيرة حول ما يسميه البعض تدخلًا في العمل السياسي، فأي دور يلعبه الاتحاد في تونس اليوم؟ وهل يمكن اعتبار الاتحاد منظمة نقابية فقط أم أنه أكثر من ذلك؟
جدلية النقابي والسياسي
يتجدَّد الجدل حول دور الاتحاد العام التونسي للشغل في الشأن السياسي عادة عندما يحصل التوتُّر بين المنظمة النقابية المركزية والسلطة السياسية الحاكمة، التي تتهم المنظمة النقابية بتجاوز وظيفتها الطبيعية: من المطلبية الاجتماعية إلى الشأن السياسي، إلّا أنّ دفعها بمرشح المنظومة القديمة والمدعوم من الإمارات أثار ردود أفعال التونسيين على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك وتساءلوا عن الدور الحقيقي للمنظمة الشغيلة.
وكشفت الانتخابات الرئاسية الأخيرة “وهم” حياد الاتحاد العام التونسي للشغل ووقوفه على نفس المسافة من جميع الأحزاب السياسية في الاستحقاق الرئاسي.
حين اصطفت القيادة المركزية النقابية مع المرشح الرئاسي عبد الكريم الزبيدي سواء تصريحا أو تلميحا.
فقد أكّد الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي بالاتحاد العام التونسي للشغل، لسعد اليعقوبي أن المنظمة الشغيلة ساندت وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي في الانتخابات الرئاسية.
وقال في تدوينة على موقع فيسبوك: “أنا ابن الاتحاد ودفعت من أجل منظمتي ما استطعت ولكني سأقولها منظمتي انخرطت وراء الزبيدي وللأسف خسرت رهان لم يكن رهان العمال ورهان التونسيات والتونسيين كالعادة أضعنا البوصلة”.
ويرى مراقبون أن المنظمة الشغيلة في حال دخولها غمار السياسة ستخسر موقعها المريح كوسيط وحكم بين فرقاء السياسة.
ويتساءل البعض عما إذا كان سيتحول إلى حزب سياسي على النمط البريطاني.
مسارات للنقاش
لقد حوّل الاتحاد العام التونسي للشغل، إعلانه عن سلسلة من الإضرابات العامة الجهوية، مسارات النقاش في تونس من مآلات وتداعيات الإضرابات على البلاد –خاصة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي- إلى نقاشات سياسية وشعبية بشأن الدور السياسي للاتحاد.
هذه النقاشات أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، بين مؤيد ومتخوف، وطرحت بصفة علانية حزمة من الاستفهامات حول مستقبل المنظمة النقابية وأدوارها، إِنْ أَقْحَمَتْ نفسها بصفة رسمية في عالم السياسة.
فعدد من الملاحظين يرى أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل يجري التلاعب به وتوظيفه من بيروقراطيّته لأهدافٍ حزبيّة فئوية صرفة.
في المقابل، يعتبر أخرون أنَّ على الاتحاد أن يكون مستقلاًّ، ويتدخّل بشكلٍ فعّالٍ في الحياة السياسية كَسُلْطَةٍ مُضَادَّةٍ.
والمتابع للرأي العام في تونس يلاحظ أن العديد من النخب والفاعلين السياسيين يتعاطون مع الاتحاد العام التونسي للشغل كما لو أنه طرف سياسي معارض.
ومن يتابع المسارات التاريخية يدرك أنّ الاتحادَ لا يُقْرَأُ فحسب من زاوية نقابية، فهو طرف اجتماعي يَخْتَزِنُ مجموعات ضغط سياسي، وتنويعات إيديولوجية، وناشطين حزبيين.
يطرح دخول اتحاد الشغل غمار العمل السياسي إشكاليات عميقة مرتبطة بتحوّل النضال النقابي إلى فعل سياسي، حينها تستقوي أحزاب لم تفز في الانتخابات بالمنظمة الشغيلة، وتكون المنظمة رديفا للدور الطبيعي للأحزاب.
أن يصبح العمل النقابي والدفاع عن العمال مطية وغطاء لممارسة العمل السياسي، فذلك ما قد يفقد صاحبه جزء من المصداقية، أما إذا تحول هذا الدور النقابي إلى ممارسات سياسية دورية، فذلك هو التضليل السياسي بعينه.