في تواصل لطوفان الاضرابات الذي عصف بتونس منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات و بعد توقفه مفاجئ مع تسلّم حكومة جمعة المؤقة زمام الحكم، يستمرّ أعوان القباضات المالية اضرابهم و غلق الشبابيك بوجه المواطن في مناطق متفرّقة من الجمهورية.
و من بين طلبات المضربين “الحصول على نسبة من معاليم الجباية”… أي تقاسم الغنائم كما أسميه. تلك المعاليم التي يدفعها المواطن و المستثمر و راحت “ضحيتها” آلاف المشاريع الصغرى و دفعتها للغلق..
مطالب تستوقفني و تدفعني للتسائل، خاصّة و أنّي من بين آلاف التونسيين الذين يتراصون في الصفوف أمام شبابيك الخزينة، لدفع نسب متفاوتة القدر ممّا تعرّقوا لكسبه و جاهدوا لتحصيله طيلة شهر كامل. لِما لم يُضرب أعوان القباضات المالية و لم يطالبوا بمقاضاة رجال الأعمال الفاسدين المتملّصين من دفع معاليم الجبائية منذ عهد المخلوع إلى الآن ؟..
لِما لم تكن من بين مطالبهم إقصاء المحاباة و التمييز المتواصلين في تعامل مكاتب المراقبة الجبائية مع الباعثين الشبّان ؟ و قائمة التجاوزات في القطاع طويلة…
و لو سئلني أحدهم عن فشل الثورة في بلدي لن أجيب بأنّ عودة التجمّع الذي طرحت له التروكيا البساط هو وحده السبب، بل أنانية فئة كبيرة من الشعب و جشعها و رغبتها في مواصلة اجتثاث دمّ و عرق إخوانه على هاته الأرض هو السبب الأبرز.
يجب الإقرار بأنّ الثورة ثورة العقول قبل أن تكون ثورة الساحات و الميادين. و هذا ما يدعونا إلى إعادة النظر في “منظومة العقل” الذي يقود الثورة و هذا يعني أنة يجب أن “معركتنا” لتحرير العقل المهيمن على مشهد الثورة و إحداث “تسونامي” جديد حتى ننتج ثقافة ثورية جديدة تحتل مكانها : فمعركتنا الحقيقية مع النظام هي معركة أفكار لن تموت أو تزول بزوال النظام أو موته، فالأفكار تنتقل من عقل إلى عقل و من فكر إلى فكر. و هي أعسر معركة على الإطلاق..