شهدت العاصمة الليبية طرابلس ،ظهر اليوم الجمعة، مظاهرات حاشدة بساحة الشهداء رفضا لإجراءات مجلس النواب بطبرق ومطالبة بإسقاطه و باستمرار حكومة عبد الحميد الدبيبة إلى غاية إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
وبالأمس صوّت مجلس النواب الليبي بالإجماع على منح الثقة لفتحي باشاغا رئيسًا للحكومة خلال جلسة ،الخميس 10 فيفري 2022 في مدينة طبرق.
وبعد تسلم فتحي باشاغا قرار تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة طار إلى مدينة طرابلس وبرفقته عدد من نواب المنطقة الغربية ، ووسط حشود من أنصاره في مطار معيتيقة دعا باشاغا رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بتسليم السلطة قائلا: “أنا على ثقة بالتزام رئيس حكومة الوحدة الوطنية بمبادئ الديمقراطية والتسليم السلمي للسلطة”.
عبد الحميد الدبيبة يرفض ويتمسك بمنصبه
تمسك عبد الحميد الدبيبة بمنصبه استنادا إلى مخرجات ملتقى الحوار السياسي الذي حدد مدة عمل السلطة التنفيذية الانتقالية بـ18 شهرا تمتد حتى جوان 2022، وفق البعثة الأممية في ليبيا.
وقال الدبيبة في تصريح لقناة “ليبيا الأحرار”،ليل الخميس-الجمعة، إن “المجلس الرئاسي هو من يحق له تغيير حكومة الوحدة الوطنية وفقاً لخارطة الطريق في جنيف وكذلك الإعلان الدستوري ولائحة مجلس النواب يعطيان حق اختيار رئيس الحكومة لرئيس الدولة فقط، ورئيس الدولة الآن هو المجلس الرئاسي، فهو الوحيد المخول قانوناً باختيار رئيس الحكومة”.
واعتبر الدبيبة أن عقيلة صالح له مشكلة معه منذ خسارة قائمته في انتخابات ملتقى جنيف، وهو لم يقبل الخسارة كما أنه مرشح للانتخابات الرئاسية وينافسنه فيها”.
وتابع الدبيبة قائلا”علينا ألا ننسى بأن العاصمة طرابلس كانت قد حوصرت بالدبابات والطائرات لاقتحامها، وما يجري الآن هي محاولة جديدة لدخول العاصمة لنفس الأهداف السابقة بالقوة لكن بأدوات مختلفة”.
موقف الأمم المتحدة من تولي باشاغا رئاسة حكومة جديدة
تميز موقف الأمم المتحدة بالتخبط حيث أعلنت في البدء استمرار دعمها لعبد الحميد الدبيبة وذلك على لسان المتحدث باسمها ستيفان دوغاريك في مؤتمر صحفي بالمقر الدائم للمنظمة الدولية بنيويورك إثر اختيار مجلس النواب في طبرق، فتحي باشاغا، رئيسا للحكومة.
وردا على أسئلة الصحفيين بشأن ما إذا كانت الأمم المتحدة تعتقد أن الدبيبة لا يزال في منصبه رئيسا للحكومة قال ستيفان دوغاريك : “موقفنا واضح ولم يتغير، وإجابتي المباشرة على سؤالكم هي بالإيجاب: نعم”.
إلا أنه وفي تصريح لقناة “العربية ” قال ستيفان دوغاريك، إن المنظمة لا ترفض رئاسة فتحي باشاغا لحكومة ليبيا بل تنتظر ما ستنقله لنا المستشارة الأممية في ليبيا ستيفاني وليامز .
وقال دوغاريك إن” تصريحاته السابقة حول رئيس الحكومة الليبية فهمت بالخطأ، وأن موقف المنظمة بشأن حكومة الدبيبة ليس نهائيا”، مشيرا إلى أن ستيفاني وليامز تتواصل مع البرلمان الليبي لمعرفة موقف عبد الحميد الدبيبة.
ومن جهتها، قالت مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني ويليامز لصحيفة ذا ناشونال نيوز: إذا كان ينبغي على مجلس النواب تشكيل حكومة جديدة فذلك يعد قرارا سياديا واختصاصا للمؤسسات الليبية.
وحديث ويليامز ستيفاني عن القرار السيادي الليبي لا يصدق إذ متى كان لليبيين قرار سيادي والأمم المتحدة وكل القوى الخارجية هي التي تقود المفاوضات والصراع وتختار شخصيات تقدمهم للشعب الليبي لانتخاب أحدهم؟
موقف خليفة حفتر من اختيار باشاغا
رحب اللواء المتقاعد خليفة حفتر باختيار باشاغا رئيسا للحكومة وأفاد بيان صادر عن المتحدث باسمه أحمد المسماري بـ”ترحيب وتأييد القيادة العامة باختيار مجلس النواب فتحي باشاغا، رئيسًا للحكومة الجديدة وتولي قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل”.
ويرى محللون أن فتحي باشاغا حليف حفتر سيعمل على إيصال الأخير إلى طرابلس ومن بعدها لرئاسة ليبيا بعد فشل حفتر في ذلك عسكريا، وهنا نعود إلى ما قاله عبد الحميد الدبيبة مساء أمس لقناة “ليبيا الأحرار ” :”علينا ألا ننسى بأن العاصمة طرابلس كانت قد حوصرت بالدبابات والطائرات لاقتحامها، وما يجري الآن هي محاولة جديدة لدخول العاصمة لنفس الأهداف السابقة بالقوة لكن بأدوات مختلفة”.
موقف مصر من اختيار باشاغا
رحبت مصر باختيار فتحي باشاغا رئيسا للحكومة و قال السفير أحمد حافظ المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية إن “مصر تؤمن بأن مسار تسوية الأزمة الليبية يظل بيد الشعب الليبي وحده دون تدخلات أو إملاءات خارجية”.
لكن حديث مصر عن الشعب الليبي وأن مسار التسوية بيده وحده يتناقض مع تدخل مصر في الصراع الليبي وانحيازها للواء خليفة حفتر ودعمه سياسيا وبالسلاح ،وقد نقل موقع “العربي الجديد ” عن مصادره أن فتحي باشاغا أدى زيارة إلى مصر في ديسمبر الماضي.
وقالت المصادر إنه من المقرر أن يلتقي باشاغا باللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، والمعني الأول في الإدارة المصرية بالملف الليبي، لافتة إلى أن الزيارة تهدف إلى التباحث بشأن ترتيبات المرحلة المقبلة عقب الإعلان عن تأجيل الاستحقاق الانتخابي، الذي كان مقررا له الرابع والعشرين من ديسمبر 2021.
وأوضحت المصادر أن رئيس المخابرات المصري، سيؤكد على فتحي باشاغا ضرورة الالتزام بالمصالح المصرية، مقابل تقديم القاهرة كافة أوجه الدعم اللازم له في مهمته المرتقبة، خلال الفترة المقبلة، مع التأكيد على الثوابت الخاصة بحفظ الأمن الإقليمي، بحسب المصادر، التي فضلت عدم نشر أسمائها.
موقف الجامعة العربية من اختيار باشاغا
اكتفت الجامعة العربية بالتعبير على لسان أمينها العام ، أحمد أبو الغيط، عن القلق إزاء بعض التطورات الأخيرة التي شهدتها ليبيا، والتي من شأنها أن تعيد حالة الفوضى التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الأخيرة.
وقال مصدر مسؤول في الأمانة العامة للجامعة العربية، إن أحمد أبو الغيط “يعول على وجود قيادات ليبية على الساحة السياسية، تعي جيدا المصلحة العليا لليبيا، وتضعها فوق أي اعتبارات ضيقة أخرى”.
وأضاف المصدر أن “المأمول هو الوصول إلى موقف وطني يتوافق على أسس ومسار لدعم عملية سياسية في ليبيا تنفيذا لتعهدات القوى الدولية والإقليمية خلال المؤتمرات الدولية السابقة بهذا الشأن، خاصة نتائج مؤتمري برلين 1 و2”.
إلى أين تتجه الأزمة في ليبيا؟
أمام تمسك عبد الحميد الدبيبة بمنصبه قد تتطور الأزمة إلى نزاع مسلح يبدو أنه ابتدأ منذ صباح أمس الخميس وقبل انعقاد جلسة البرلمان لاختيار رئيساجديدا للحكومة وذلك عند تعرض سيارة الدبيبة لهجوم مسلح و إطلاق نار من مجهولين ثم لاذوا بالفرار.
كما أن فصول الصراع بين القوى الإقليمية و الدولية لم تحسم بعد بالحل السياسي خاصة بعد مؤتمر باريس الذي انعقد في نوفمبر 2021 و يرى محللون أنه جاء لفرض خليفة حفتر رئيسا على ليبيا ورفض محاولة روسيا فرض سيف الإسلام القذافي لهذا المنصب.
وكانت الرئاسة الفرنسية قد قالت قبل انعقاد المؤتمر إن العملية الانتخابية المرتقبة في ليبيا في 24 ديسمبر 2021 ستكون غير قابلة للطعن ولا عودة عنها وعلى جميع الأطراف القبول بنتائجها و ستفرض عقوبات على الأفراد الذين “سيحاولون القيام بأي عمل من شأنه أن يعرقل أو يقوض نتائج” الانتخابات المقررة في هذا البلد، سواء كانوا داخل ليبيا أو خارجها.
وإن مثل هذا القرار ليوحي بأن فرنسا والدول التي خسرت مصالحها عسكريا -من بينها مصر و الإمارات- ليست على علم فقط بنتائج الانتخابات آنذاك بل ستفرضها فرضا لكسب مصالحها سياسيا عن طريق حليف لهم لرئاسة ليبيا و إلا لما أكدوا على معاقبة كل من سيطعن في النتائج.
ومما يؤكد اختيار القوى الخارجية لخليفة حفتر لرئاسة ليبيا ما أكده رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري في شهر جويلية 2021 إن ملتقى الحوار السياسي الليبي يواجه ضغوطا دولية ومن البعثة الأممية للقبول بقاعدة دستورية تسمح بترشح العسكريين للانتخابات ،اي فتح الطريق أمام خليفة حفتر.
وتعتبر فرنسا تركيا العقبة الكأداء أمامها في ليبيا وطالبها إيمانويل ماكرون بعد اختتام مؤتمر باريس في 12 نوفمبر 2021 بمعادرة ليبيا فورا وهو ما قابلته الخارجية التركية بانتقاد شديد وقال المتحدث باسمها إبراهيم قالن، في حوار نشرته السبت 13 نوفمبر 2021 ، وكالة “فرانس برس”، في معرض تعليقه على دعوة ماكرون: “إذا ركزتم حصرا على سحب القوات الأجنبية.. من ليبيا كأهم مسألة، فإننا نعتبر هذا الأسلوب خاطئا”.
وشدد قالن على أن ليبيا تحتاج إلى الدعم فيما يخص العمليات السياسية والانتخابات والقضايا الاقتصادية، مشيرا إلى أن التواجد العسكري التركي في هذا البلد يخدم دعم الاستقرار السياسي والأمن هناك.
وقال قالن : “الهدف من تواجدنا العسكري هناك يكمن في تدريب الجيش الليبي، ونتواجد هناك كقوة استقرار تساعد الشعب الليبي، وأولويتنا فيما يخص الأمن تعود إلى مساعدة الليبيين في إنشاء جيش وطني ليبي موحد”.
ومن القوى الليبية التي أجهضت مخطط مؤتمر باريس قادة وثوار مدينة الزاوية الذين أكدوا في بيان لهم رفضهم ترشح أي شخصية ساهمت في قتل وتشريد الشعب الليبي أيا كانت صفتها أو مركزها في إشارة إلى سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر.
وحمّل البيان الدول التي تدعم انتخابات 24 ديسمبر 2021 المسؤولية القانونية والأخلاقية لما قد يحدث، مطالبين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، برفض قبول ترشح سيف الإسلام، وخليفة حفتر.
وحذّر البيان الليبيين كافّة والمجتمع الدولي، من أن هذه الانتخابات ستعود بليبيا للمربع الأول، وستنتج عنها حرب لايعرف مداها.
وأّكّد القادة والثوار التزامهم بالعملية الانتخابية وفق قاعدة دستورية متفق عليها، مشيرين أن المراكز الانتخابية لن تفتح داخل المدينة إلا وفق هذه الشروط.
من جانبه، رفض مجلس حكماء وأعيان مدينة مصراتة ترشح حفتر والقذافي و بين في بيان صحفي ،الإثنين 15 نوفمبر 2021، مسؤولية ما سماه “انهيار المشروع الانتخابي لرئيس مجلس النواب (عقيلة صالح الموالي لحفتر ) وعدد من أعضائه الذين شرّعوا لترشح المجرمين من خلال تلاعبهم بشروط الترشح للانتخابات عبر قانون معيب شكلا ومضمونا”
وعبّر المجلس في بيان له عن رفضه لمن استخدم القوة المفرطة في مواجهة ثورة الشعب الليبي والصادر بحقه أوامر قبض من السلطات القضائية المحلية ومحكمة الجنايات الدولية بسبب الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها ضد الليبين.
من جهتها، قالت عملية بركان الغضب في تدوينات على صفحتها بموقع “فيسبوك” ، الإثنين 15 نوفمبر 2021، إنه تم إغلاق مكاتب الإدارة الانتخابية الدائرة 13 بالزاوية المركز و الزاوية الجنوب والزاوية الغرب.
وأكدت عملية “بركان الغضب” إغلاق مكتب المفوضية العليا للانتخابات في مدينتي غريان وزليتن اعتراضا على ترشح من وصفتهم المجرمين سيف الإسلام القذافي وخليفة حفتر.
وفي تدوينة لها على صفحتها بموقع “فيسبوك”، الأحد 14 نوفمبر 2021، توعدت عملية “بركان الغضب” رئيس مفوضية الانتخابات قائلة : “سيتحمل العميل الاماراتي الفرنسي رئيس مفوضية الانتخابات المدعو عماد السائح عواقب محاولته تنفيذ قوانين عقيلة صالح الانتخابية المخالفة للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي ، والأمر كما ترون لا كما تسمعون”،وفق نص التدوينة.
وأضافت “بركان الغضب” أنّ ”اسم خليفة حفتر يجب ان يوضع في قائمة المطلوبين للعدالة وليس في قائمة المرشحين للرئاسة ..ولن نحترم اي انتخابات يسمح فيها بمشاركة هذا المجرم السفاح أو أن تُجرى في مناطق سيطرته ، ما لم يعيدها إلى سلطة الدولة”.
واليوم و أمام مواقف هذه القوى الداخلية والخارجية وفشل كل خرائط الطرق السياسية و مطالبة فتحي باشاغا (حليف خليفة حفتر) بتسلم السلطة سلميا و رفض الدبيبة ذلك و تمسكه بمنصبه هل يعود الصراع المسلح لفرض خليفة حفتر رئيسا على ليبيا خاصة و أنه قد وعد بإقامة علاقة مع كيان الاحتلال عند وصوله لرئاسة ليبيا.
و عن وعد حفتر لإسرائيل ذكر تقرير إسرائيلي الأحد 7 نوفمبر 2021 اي قبل مؤتمر باريس بخمسة أيام ، أن صدام حفتر، نجل خليفة حفتر، وصل إلى إسرائيل حاملا رسالة من والده تطلب مساعدة عسكرية سياسية إسرائيلية، وفي المقابل تعهد بإقامة علاقات دبلوماسية في المستقبل بين ليبيا وإسرائيل.
وذكر التقرير الذي نشره محلل الشؤون الاستخبارية في مدونته في موقع صحيفة “هآرتس” العبرية، يوسي ميلمان، أن الزيارة استمرت ساعة ونصف الساعة في مطار بن غوريون.
كما ذكرت مصادر اعلامية ليبية أن هناك وعودا من خليفة حفتر بإهداء قاعدة الوطية لفرنسا إذا وصل لرئاسة ليبيا.
و بعد هذه الوعود و في قرار مفاجئ تم تجميد مسار المحكمة بشأن قضايا جرائم الحرب المرفوعة ضد خليفة حفتر في الولايات المتحدة حتى انتهاء الانتخابات الليبية، وإصدار قرار بفتح هذه المحاكمات من جديد.
وقال رئيس التحالف الليبي الأمريكي عصام عميش، أن القاضية ليوني برينكما جاء قرارها بتجميد محكامة حفتر على خلفية ما وصفته، بالتدخل السياسي من أطراف سياسية ليبية رسمية، إلى جانب عدم تعاطي محامي أسر عائلتي “الصويد” و”الكرشيني” مع القاضية بالوسائل القانونية المعتبرة في المراسلات القضائية.
ونوه عميش إلى أنّ القاضية اعتبرت أيضا مراسلات لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي الموالي لحفتر تدخلا سياسيا سافرا بطلبهم دعم إجراء قانوني دفاعا عن حفتر.
ختامامع المراوحة بين الحل السياسي والخيار العسكري لفرض قوى إقليمية و دولية شخصيات موالية لها و أبرزها خليفة حفتر لرئاسة ليبيا هل بقي لنا القول أن السيادة في يد الشعب الليبي و أنه هو الذي سيختار من يحكمه؟