شهدت المدن التركية ،اليوم الجمعة 15 جويلية 2022،و على رأسها العاصمة أنقرة وإسطنبول احتفالات بفشل الانقلاب الذي نفذته على مدار 15 ساعة مجموعة من الجيش التركي على نظام الرئيس طيب رجب أردوغان بتاريخ 15 جويلية 2016.
كيف تم التخطيط للانقلاب والإعلان عنه؟
تتهم تركيا الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة بأنه وراء محاولة الانقلاب الفاشل لكنه ينفي ذلك بشدة.
و تقول المصادر التركية أن قائدي القوات الجوية والبرية هما من نفذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وأن محرم كوسا وهو المستشار القانوني لرئيس الاركان هو من خطط للانقلاب.
و في 15 جويلية 2016 سيطر فصيل داخل القوات المسلحة بتركيا على قناة “تي آر تي” الرسمية و أعلنوا من خلالها إنشاء مجلس السلم من أجل أن تكون الهيئة الحاكمة في البلد و اعلنوا عن حظر للتجول مع إغلاق كل المطارات وتعهدوا بإخراج دستور جديد في أقرب وقت.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ليلة الانقلاب يقضي إجازة خاصة في أحد فنادق مرمريس، فأتاه من اقترح عليه الهروب إلى إحدى الجزر اليونانية وترك الشعب التركي لمواجهة مصيره مع الانقلابيين لكن الرئيس رفض ذلك وقرر مواجهة الانقلاب.
وبعد التوجه لله والصلاة تحدث الرئيس للشعب بالصوت والصورة عبر هاتف محمول معلنا أن ما يحدث في البلاد محاولة انقلاب غير قانونية ومؤكدا أن لا يترك أحدا يثني من عزمه وعزم الشعب التركي ودعا شعبه للنزول إلى الشارع للدفاع عن مؤسسات بلادهم.
كما دعا أردوغان القوات المسلحة والجنرالات الشرفاء إلى الوقوف بصلابة وشرف أمام من باع ضميره من الضباط الآخرين الذين ستتم معاقبتهم في أقرب وقت.
صلابة رئيس وإرادة شعبية
و بعد كلمة الرئيس للشعب نزل الملايين للشارع وكلهم عزم على إحباط هذه المحاولة الانقلابية على إرادتهم في اختيار من يحكمهم وانتشروا في كل ولايات تركيا وفي كل الشوارع والمطارات والميادين ليواجهوا بصدور عارية دبابات الانقلابيين.
وطالب المتظاهرون في ميدان تقسيم بإسطنبول بعودة الجيش إلى ثكناته، واعتلوا الدبابات وحاصروها ،مؤكدين أن زمن الانقلابات قد ولى. ورفعوا صور أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدرم.
أما الرئيس أردوغان فقد توجه على متن طائرة نحو مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول وقد حاول أحد الانقلابيين إسقاط طائرته بصاروخ” جو ـ جو”،إلا أن محاولته فشلت نتيجة نفاذ وقود طائرته كما أن قائد طائرة أردوغان قام بمناورات شلت قدرة الانقلابيين على الوصول إلى غايتهم.
وبعد هبوط طائرة أردوغان في مطار اسطنبول كان الملايين في استقباله وقال أحد مسؤولي حزب العدالة والتنمية الذي كان في المطار أن الرئيس رفض لباس الدرع الواقي للرصاص بل واتجه نحو الجرحى ويعتني بهم واحدا بعد الآخر.
ضحايا الانقلاب ومصير الانقلابيين
أسفرت محاولة الانقلاب على الرئيس التركي على استشهاد 251 من أبناء تركياوإصابة ألفين و 196 آخرين.
و أمام تماسك الشعب ومؤسسات الدولة بدأ الانقلابيون يستسلمون و تم اعتقال 80 ألف شخص من بينهم حوالي ثلاثة آلاف عسكري بينهم ذوو رتب رفيعة كما تم إصدار مذكرة توقيف بحق قائد اللواء 55 مشاة الجنرال بكر كوجاك، وأقيل خمس جنرالات و34 ضابطا رفيعا من وزارة الداخلية بأمر من الوزير أفكان علي.
كما أعلنت وسائل إعلام تركية أن أجهزة القضاء عزلت 2745 قاضيا، و أوقفت السلطات زهاء 160 ألفا من الموظفين الحكوميين عن العمل ،بينما تم اعتقال نحو مئة عسكري بقاعدة جوية بديار بكر على خلفية المحاولة الانقلابية.
وأعلن محافظ ملاطيا غداة المحاولة الانقلابية إلقاء القبض على 39 طيارا عسكريا كانوا على متن سبع طائرات عسكرية.
وفي 20 جوان 2019 أصدرت محكمة تركية 141 حكما بالسجن مدة الحياة، بحق 17 من كبار المسؤولين العسكريين السابقين الذين شاركوا في الانقلاب.
وتتضمن الاتهامات ضد المتهمين الرئيسيين “انتهاك الدستور” واستخدام الإكراه والعنف في محاولة لإطاحة بالرئيس والبرلمان والحكومة التركية والتسبب في “استشهاد 250 مواطنا” و”محاولة قتل 2735 مواطنا
الأيادي الخارجية التي مولت الانقلاب
قال الكاتب في صحيفة يني شفق التركية محمد أسيت إن دولة الإمارات العربية المتحدة أنفقت ثلاثة مليارات دولار للإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان والحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا.
وفي حوار مع صحيفة ديلي صباح التركية قال الكاتب محد أسيت إن مصادر في وزارة الخارجية التركية أكدت أن دولة الإمارات تدخلت بالفعل في عملية النقلاب.
من جهته، قال البروفيسور محيي الدين أتامان نائب منسق مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومقرها أنقرة إن دولة الإمارات العربية المتحدة رعت بالفعل عدة محاولات ضد الحكومة التركية منذ بداية الربيع العربي، مضيفا أنها لم تدخر جهدا في ذلك من الدبلوماسية لإنفاق الأموال.
من جانبها قالت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية إن دولة الإمارات العربية المتحدة موّلت محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 15 جويلية 2016، والتي استعانت فيها بقيادي حركة فتح الفلسطينية محمد دحلان كحلقة وصل مع رجل الدين فتح الله كولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير الانقلاب.
و قال الكاتب الصحفي ديفيد هيرست رئيس تحرير الصحيفة والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، نقلاً عن مصادر مقربة من جهاز الاستخبارات التركي أن دحلان قام بنقل الأموال إلى مدبري الانقلاب في تركيا في الأسابيع التي سبقت تحركاتهم، وتواصل مع كولن، عبر رجل أعمال فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما اتهم وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو ،في 2 فيفري 2021 ،السلطات الأمريكية بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في بلاده وقال في حديث لصحيفة “حرييت” ، “إن الولايات المتحدة أدارت محاولة الانقلاب بينما نفذتها شبكة المعارض والداعية التركي، فتح الله غولن، الذي يقيم في الولايات المتحدة”
وفي رده على اتهامات صويلو قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس”لا يوجد أي تدخل للولايات المتحدة في المحاولة الانقلابية بتركيا عام 2016، لقد قمنا بإدانتها على الفور، والادعاءات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين أتراك، خاطئة تماما”.
و رأى برايس أن “هذه التصريحات وغيرها من الادعاءات لا أساس لها بشأن مسؤولية الولايات المتحدة عن أحداث في تركيا، و لا تتماشى مع مكانة تركيا كحليفة في حلف شمال الأطلسي “ناتو” وشريكة استراتيجية للولايات المتحدة”.
كلمة رجب طيب أردوغان في الذكرى السادسة لمحاولة الانقلاب
في كلمة ألقاها ،اليوم الجمعة 15 جويلية2022،بمناسبة “يوم الديمقراطية والوحدة الوطنية و الذكرى السادسة لفشل محاولة الانقلاب في تركيا قال الرئيس رجب طيب أردوغان: “في ليلة 15 تموز تبين لنا أن كلمة الفصل يحددها الإيمان والشجاعة لا المدفع والبندقية”.
وتابع ألادوغان : “سنكمل حتمًا بناء تركيا العظيمة والقوية فلا يمكننا أن نوفي حقوق شهدائنا إلا بهذه الطريقة”.
وقال: “اليوم هو الذكرى السادسة لخيانة 15 تموز. وفي هذه المحاولة الانقلابية الأكثر دناءة في تاريخنا الحديث، نال 252 من إخوتنا شرف الشهادة، بمن فيهم أولئك الذين توفوا بعد إصابتهم”.
وترحّم أردوغان على أرواح شهداء 15 تموز، متمنيا الشفاء والصحة والسلامة للمناضلين الذين تعرضوا لإصابات دائمة خلال مواجهتهم بأياديهم طائرات ومروحيات ودبابات وأسلحة الانقلابيين.
وأردف: “ندعو الله سبحانه وتعالى ألّا تواجه أمتنا تحديات مشابهة لما حدث في 15 تموز، وألّا يعطي الفرصة لأحد لتفريق أبنائنا عنا، وألّا يمر بلدنا بهذه الأخطار مرة أخرى”.
ولفت إلى أن تاريخ المجتمعات فيها نقاط تحوّل مثل الملاحم لا يمكن نسيانها عبر العصور ويتم تناقلها من جيل إلى جيل.
وتابع : “ومن خلال الإيمان الذي حملته أمتنا في قلوبها، نجحت في تسطير ملحمة عظيمة بتمكنها في ساعات الصباح من إفشال محاولة الانقلاب التي بدأت مع غروب الشمس مساء 15 تموز”.
وأضاف: “لم ينجح الساعون منذ قرابة قرنين لإخضاع هذه الأمة كلما أرادت النهوض، من خلال الحروب والتخريب وانقلابات والوصاية والإرهاب وزعزعة الاستقرار السياسي والأزمات الاقتصادية والصراعات الاجتماعية. الحمد لله فشلوا هذه المرة”.
وأوضح أن المواطنين الذين تحركوا من منازلهم أو أماكن عملهم أو أحيائهم من أجل مقاومة الانقلابيين ليلة 15 تموز، انطلقوا لا يهابون الموت ويضعون الشهادة نصب أعينهم.
وتابع أردوغان: “لو نظرنا إلى الخواطر التي كتبها أو تركها الشهداء سنرى أن جميعهم تحركوا ضد الانقلابيين بنفس الوعي ونفس الإرادة والتصميم”.