الذي يتحدّث دائما عن الغرف المظلمة.. ويقول دائما بأنّه وحده الصادق والأمين والشفّاف.. رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. اتّضح أنّه تلقّى 1000 جرعة من تلقيح كورونا من دولة عربيّة هي الإمارات العربيّة المتحّدة التي أهدتها لرئاسة الجمهوريّة.. وأنّ الرئاسة تكتّمت على الأمر وأبقته سرّا.. إلى أن تسرّب الخبر وبدأ بعض نواب مجلس نواب الشعب الحديث عنه.. واتّسعت رقعته إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وجمعيّات المجتمع المدني.. منذرا بتحوّله إلى فضيحة عاصفة.. فسارعت رئاسة الجمهوريّة حينها فقط.. وعلى مضض.. بإخراج بلاغ رسميّ منذ قليل.. تعترف فيه بتلقّيها 500 تلقيح (بحساب جرعتين لكلّ تلقيح أي ما قدره 1000 جرعة لـ500 تلقيح)..!!
بلاغ رئاسة الجمهوريّة جاء مباشرة بعد سريان الخبر والتعليقات على نطاق واسع اليوم.. وبعد نشر منظّمة “أنا يقظ” نداء طلبت فيه من رئاسة الجمهوريّة إصدار خبر يقين في الموضوع.. أمّا بنفي الخبر أو بتأكيده وتوضيح ملابساته..
لكنّ بلاغ الرئاسة واصل اللّعب بالغموض المعتاد.. فلم يوضّح تاريخ تلقّي جرعات التلقيح.. والتي أكّدت المصادر التي كشفت الخبر أثناء تكتّم رئاسة الجمهوريّة بأنّه تمّ منذ أيّام كاملة..!!
كما لم يوضّح البلاغ كيفيّة ولا تاريخ تسليم الجرعات إلى إدارة الصحة العسكريّة.. وهل وقع تلقيح بعض الأشخاص بها من عدمه؟..!!
وإنّما اكتفى بالتأكيد على أنّه لم يقع تطعيم أيّ كان بالتلقيح لا من رئاسة الجمهوريّة ولا من غيرها من الإدارات..
ولا يعرف أحد هل كان سيتمّ ذلك لاحقا في كنف السريّة أيضا.. لولا افتضاح الموضوع..!!!
لسائل أن يسأل لماذا لم تتعامل رئاسة الجمهوريّة مع “هديّة التلقيح” من دولة عربيّة شقيقة بشفافيّة كاملة عبر الإعلان عنها بمجرّد حصولها.. وإصدار بيان رسمي في الموضوع..؟؟!!
مالذي كان سيضير رئاسة الجمهوريّة لو أعلنت أنّ دولة عربيّة أهدت قيادة تونس ألف جرعة من تلقيح كورونا.. وأنّ الرئاسة أبقتها بإدارة الصحّة العسكريّة.. وأنّها ستحدّد لاحقا كيفيّة ومعايير التصرّف فيها..؟؟!!
إنّ التكتّم على الموضوع وإبقاء الأمر سرّا.. يحمل بالتأكيد نوايا غير سليمة.. ويبعث على الريبة.. ويدلّ على أنّ “في الأمر إنّ” كما يقال..!!
هل كانت رئاسة الجمهوريّة مثلا تنتظر فقط التأكّد من سلامة التلقيح طبيّا.. والفحص الأمني للجرعات.. للبدأ في حملة التلقيح بالرئاسة.. وأنّ فضح الهديّة جعلها تتراجع وتضطرّ للكشف عن الموضوع..؟؟!
ربّما كان في عبارة بلاغ الرئاسة الرسمي ما يوحي فعلا بتلك النيّة عبر قولها:
“وذلك في انتظار مزيد التأكّد من نجاعته وترتيب أولويّات الاستفادة منه”..!!
الأغرب من كلّ ذلك.. أنّ إدارة الصحّة العسكريّة ولئن كان رئيس الجمهوريّة يملك عليها نفوذا باعتباره القائد الأعلى للقوّات المسلّحة.. فإنّها تتبع في النهاية وزارة الدفاع الوطني والتي هي تحت النفوذ الكامل للحكومة..
وقد أصدرت رئاسة الحكومة بدورها منذ قليل بيانا رسميّا أنّه لا علم لها بوصول هذه التلاقيح لتونس.. ولا بمصدرها.. ولا بتوفّرها على الشروط الصحيّة والقانونيّة.. ولا بكفيّة التصرّف فيها.. موضّحة بأنّ عمليّة التلقيح تبقى من مسؤوليّة اللّجنة الوطنيّة لمجابهة فيروس كورونا.. وأنّها أذنت بفتح تحقيق فوري في الموضوع..
أي أنّ رئاسة الجمهوريّة تكتّمت جدّا على الخبر.. وأخفته حتّى على رئاسة الحكومة.. وأرغمت حتّى إدارة الصحّة العسكريّة ووزارة الدفاع على التكتّم عنه وإخفائه عن سلطة الإشراف التابعين لها.. رغم أهميّة الموضوع واهتمام عموم التونسيّين به..
أو انّ الجرعات افتراضا لم تصل بعد إلى إدارة الصحة العمومية كما قالت الرئاسة..!!
وكأنّ أمر جرعات التلقيح هو أسرار عسكريّة خطيرة تهمّ الأمن القومي حتّى تنتهج رئاسة الجمهوريّة التكتّم والتعتيم..
وهو ما يزيد الغموض والريبة حول الموضوع..!!
أيّا كان الأمر.. فإنّ تلقّي رئاسة الجمهوريّة هديّة مثل جرعات تلقيح جرعات كورونا.. والتكتّم عن الأمر لمدّة أيّام كاملة.. وإبقائه سرّا.. عوض التعامل معه بشفافيّة وصدق.. بالإعلان عنه حال حصوله وتوضيح كيفيّة التصرّف في تلك الجرعات.. يعكس بوضوح طريقة عمل الرئيس قيس سعيّد المتكتّمة.. وجنوحه للعمل في الزوايا والغرف المظلمة التي يتحدّث عنها دائما..
ترى ماذا تخفي رئاسة الجمهوريّة أيضا وأيضا عن الشعب التونسي.. وتنتظر تسريبه وكشف أو فضح أمره لتخرج علينا اضطرارا ببلاغ تعيس بعد فوات الأوان..؟؟!!!
بقلم عبد اللطيف درباله: محامي ومؤسس ورئيس تحرير جريدة “عين”