في مثل هذا اليوم 21 سبتمبر من العام 1842م ولد السلطان عبد الحميد الثاني في إسطنبول وهو ابن السلطان عبد المجيد الأول ووالدته تيرمُجكان.
و سوف لن أتوسع في كل مراحل حياته وسلطانه و إنجازاته وإصلاحته -خاصة في مجالات الصحة و التعليم و الزراعة- وسياسته الخارجية والحروب التي خاضها و التي أذاق فيها أعداء الله أنواعاً متعددة من العذاب النفسي والمادي والمعنوي. بل اخترت من فترة حكمه – الذي امتد من العام 1876 إلى العام 1909- الوقوف في فترة بدء المخطط المكثف للقضاء على الخلافة الإسلامية وتفكيك الأمة تحضيرا للحكم العلماني فيها وإستيلاء اليهود على فلسطين.
ولتنفيذ هذا المخطط بدأت أوروبا تستثمر في مجموعة من طلاب المدارس الحربية الذين تشربوا الفكر الغربي في المحافل الماسونية المحاربة للدين الإسلامي ، وعلى رأسهم يهود الدونمة الذين تظاهروا بالإسلام سياسة لهم منذ القرن السابع عشر واستوطنوا مدينة سالونيك اليونانية.
و في عام 1889، وبالتزامن مع مئوية الثورة الفرنسية، شُكلت في باريس جمعية سرية تحت مسمى “الاتحاد والترقي”، وجعلت على رأس أهدافها عزل عبد الحميد والقضاء على الخلافة وتكريس الحكم العلماني على الطريقة الفرنسية.
كما كانت جمعيات سرية أخرى تتشكل في باريس وبرلين لتشجيع العرب على الانفصال واللحاق بقاطرة العلمانية.
و واجه السلطان عبد الحميد بكل ما أوتي من قوة مخطط الإستيلاء على فلسطين بواسطة التملك والإستيطان وقاوم الإغراءات المادية التي عرضها عليه مرارا تيودور هرتزل رئيس الجمعية الصهيونية ليسمح لليهود بالانتقال إلى فلسطين و لما فشلوا في ذلك حاولوا معه بسياسة الترهيب و تمثلت في حملات الدعاية السيئة ضده وتشويه صورته في الصحف الأوروبية والأمريكية ، فكان رده المشرف لتاريخه ولأمته وللخلافة الإسلامية : ((إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكى إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يوما، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل))،
ثم أصدر السلطان عبد الحميد قوانين تمنع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتربط دخول اليهود إليها بمجيئهم حجاجا أو زوارا عابرين مقابل دفع 50 ليرة تركية والتزامهم بمغادرة البلاد خلال 31 يوماً.
كما قام بتعيين متصرّف خاضع بشكل مباشر لسلطة الباب العالي في إسطنبول، وتعمد إبلاغ القناصل بانزعاجها من تجاوز أحد الرعايا المدة المسموح له بها للإقامة في فلسطين. و أصبحت المدينة المقدسة، منطقة عسكرية، مستقلة عن منطقة الشام تتبع مباشرة إلى سلطة الباب العالي.وهو ما حمل هرتزل على كتابة تعليقه الشهير “اليهود لن يستطيعوا دخول الأراضي الموعودة ما دام السلطان عبد الحميد قائماً في الحكم”.
في عام 1905، حاول الأرمن -كما تذكر بعض المصادر- اغتيال السلطان عبد الحميد بقنبلة إثر خروجه من المسجد،وفي 1909 نجحت قوى الشر في مخططها وتقدم اليهودي قره صو عمانوئيل وفدا من أربعة خصوم لتسليم الخليفة قرار عزله وتعيين أخيه الضعيف محمد الخامس في مكانه.
ونفي السلطان عبد الحميد إلى مدينة سالونيك و بقي هناك تحت الحراسة المشددة وتوفي في 10 فيفري 1918 ودفن في إسطنبول.
هذا هو السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض صفقة الخزي والعار وضيع ملكه من أجل فلسطين لكن الصهاينة وصلوا إلى مبتغاهم بعد تنحيته وعزله وتفتيت امبراطوريته و تقسيم أوطان الامة واستعمارها و بيعت فلسطين دون مقابل او بالاحرى بمقابل بخس وهي الكراسي والمناصب التي نالها الحكام المسلمون بدء بالخائن كمال أتاتورك الذي قبل شروط إنجلترا لاستقلال تركيا وهي أن تقطع صلتها بالعالم الإسلامي، وأن تلغي الخلافة الإسلامية، وأن يتعهد بالقضاء على اللغة العربية و بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة، وأن تختار لها دستورا مدنيًا بدلاً من الدستور العثماني المستمدة أحكامه من الشريعة الإسلامية.
ونصب على الامة عبر عقود من أمثال كمال أتاتورك ضيعوا فلسطين من أجل الحفاظ على كراسيهم وتأكد لنا الآن أن الصراعات القائمة منذ أواخر القرن 19 وكامل القرن 20 إلى غاية قيام ثورات شعوبنا إنما كانت صراعات على أمتنا من أجل إخراجنا من ديننا واتباع سياسة الشيطان وأوليائه صهاينة العالم بمعونة قادة الامة الخونة ولم يمنحونا الاستقلال الا بعدما وقع لهم كل عميل على التخلي على الاسلام نهائيا وطمسه من حياة المسلمين والاكتفاء بالحج والصوم وبالصلاة ليصبح المسجد مكانا لذكر إنجازات الحاكم وتمجيد سياسته الرشيدة.
وقد نبهنا الله سبحانه وتعالى لأأصل صراع الامم الاخرى معنا في قوله ”وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – البقرة– 217″ وقد كانت حربهم هذه علينا عبر العصور تحت مسميات عديدة وصولا الى الحرب على الإرهاب.
و ها هم حكام عصرنا اليوم في الإمارات والبحرين و أمثالهم في الأمة يواصلون دعم مخطط تصفية القضية الفيسطينية ويسعون للقضاء على سلاح المقاومة في غزة بقبولهم صفقة القرن الذي عرضها عليهم المعتوه دونالد ترمب وبدأوا الواحد تلو الآخر يهرولون نحو التطبيع مع الصهاينة تحضيرا لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم والقضاء نهائيا على الإسلام و إقامة دولة الشيطان والمسيح الدجال لتكتمل الصفقة التي رفض أول بنودها السلطان عبد الحميد الثاني ناسين تحذير الله في قوله:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ( المائدة -51-52).
و سيأتي الله بالفتح وأمر من عنده ويتحقق وعده ”فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا – 7-الإسراء“.
و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» (رواه مسلم).
و إنما هي فترة تمحيص المخلص و الخائن و الأمور بخواتمها.
رحم الله السلطان عبد الحميد.
ليلى العود/ رئيسة هيئة تحرير موقع الصدى