تشهد تونس جولة جديدة من مفاوضات تشكيل الحكومة بعد استقالة الياس الفخفاخ، وسط توقعات مفتوحة على فرضيات النجاح والإخفاق.
وتنتهي غدا الخميس 23 جويلية الآجال القانونية والدستورية للأحزاب والكتل والائتلافات البرلمانية لتقديم مرشحيها لرئاسة الحكومة لرئيس الجمهورية قيس سعيد.
ورغم التشتت البرلماني الذي أفرزته إنتخابات 2019 فإن المشهد السياسي بدأ يتبلور بصفة رسمية في علاقة مع الشخصية التي ستعوض إلياس الفخفاخ في القصبة.
تحالفات
تقوم حركة النهضة بمشاورات مكثفة مع كتل برلمانية وأحزاب حول قائمة موسعة من الأسماء لترشيحها وتقديمها لرئيس الجمهورية قبل انتهاء الآجال غدا الخميس 23 جويلية 2020.
ويتصدّر قائمة الترشيحات الأوليّة التي تحتاج مصادقة مؤسسات الحزب والتشاور مع الحلفاء المحتملين رجل الإقتصاد وصاحب مركز الدراسات جسور خيام التركي، ورجل الأعمال والوزير الأسبق للتنمية والمالية الفاضل عبد الكافي، وزير الطاقة والمناجم والانتقال الطاقي في الحكومة الحالية منجي مرزوق في انتظار الحسم بخصوص هذه القائمة نهائيا.
وتكثفت في الفترة الأخيرة, المشاورات مع كل من قلب تونس وائتلاف الكرامة وكتلة المستقبل وعدد من المستقلين مع الانفتاح على عدد أخر من الكتل من أجل تقديم مرشح موحد لرئيس الجمهورية بعدد من النواب الداعمين يتجاوز نصاب 109 أصوات داخل المجلس.
فالتشكيلات البرلمانية الثلاث، بالإضافة إلى كتلة المستقبل ستقدم مرشحا مشتركا لمنصب رئيس الحكومة.
وفي نفس الإطار تقريبا، أصبح التقارب بين التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني شبه رسمي، حيث من المنتظر أن تقدم التشكيلات البرلمانية الأربعة مرشحا مشتركا لخلافة إلياس الفخفاخ على رأس الحكومة القادمة ولازالت المشاورات مستمرة حتى الآن حول هوية الشخصية التي سيقع تقديمها لرئيس الجمهورية قيس سعيد.
وإذا كان التقارب بين التيار والشعب رسميا منذ الإنتخابات التشريعية الأخيرة، فإن دخول تحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني في هذا التحالف أملته الوقائع السياسية وخاصة عريضة سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي.
الدستوري الحر خارج السرب
بالنسبة لكتلة الحزب الدستوري الحر، برئاسة عبير موسي، فإنها صرحت أنها غير معنية بتقديم مرشح لرئاسة الحكومة.
أما الكتلة الوطنية، برئاسة حاتم المليكي، فقد قررت رسميا تقديم نائبها رضا شرف الدين لخلافة إلياس الفخفاخ.
ترشيح وصفه المتابعون السياسيون بالمناورة وإنتظار الشخصيات المقترحة من بقية الكتل للاصطفاف مع هذا الطرف أو الآخر.
ودعت في بيان، عقب اجتماعها التشاوري، الكتل والأحزاب المعنية، للتنسيق والتشاور ودعم مرشح الكتلة الوطنية، مشيرة إلى أن مكتب الكتلة سيبقى في حال انعقاد دائم لمتابعة وتقييم المشاورات المتعلقة بالترشيحات خلال الأجل المحدد لعملية التشاور.
وخصص الاجتماع التشاوري للكتلة الوطنية، للتباحث في عملية الترشيحات لرئاسة الحكومة وفقا لمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 89 من الدستور، وبناء على مراسلة رئيس الجمهورية الموجهة للكتلة الوطنية بتاريخ 17 جويلية 2020.
وكان رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، وجه الخميس الماضي، رسائل إلى رؤساء الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية، لمدّه بمقترحاتها، بخصوص ترشيح شخصية لتولي رئاسة الحكومة في أجل أقصاه يوم الخميس 23 جويلية، وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 89 من الدستور.
يُذكر أنه تم الإعلان عن تكوين الكتلة الوطنية في 14 أفريل 2020 من 9 نواب كانوا استقالوا من كتلة حزب قلب تونس، ويرأسها النائب حاتم المليكي، قبل انضمام النائبين محمد مراد الحمزاوي وزهير مخلوف إليها في 9 جوان 2020، بعد أن استقالا أيضا من “قلب تونس”، ليصبح عدد أعضاء الكتلة الوطنية حاليا 11 نائبا.
حسابات التصويت
مع تبلور التحالفات البرلمانية، أصبحت حسابات التصويت ذات أهمية قصوى. التحالف الأول المتكون من حركة النهضة وقلب تونس وإئتلاف الكرامة وكتلة المستقبل يجمع 109 نائبا، فيما لا يتجاوز عدد نواب التحالف الثاني المتكون من التيار والشعب وتحيا تونس وكتلة الإصلاح الوطني 65 نائبا.
الكرة في ملعب الرئيس
وجه رئيس الجمهورية بتاريخ 17 جويلية رسالة إلى الكتل والاحزاب البرلمانية يدعوها فيه إلى تقديم الأسماء التي ترشحها لرئاسة الحكومة، وهو نفس التمشي الذي اعتمده في الاستشارة الأولى دون توفير فرصة لحديث مباشر ثنائي أو جماعي مع الأحزاب. ورجح السياسي عبد الحميد الجلاصي في تدوينة على صفحته الرسمية على فايسبوك ألا يخرج الرئيس عن واحد من هذه الخيارات الثلاثة:
1 حكومة التمثيلية البرلمانية الواسعة على أساس برنامج إصلاحي تستفيد فيه من كل ما حصل في تجربتي الجملي والفخفاخ، وتضيف إليه المستجدات الجوهرية بعد جائحة الكوفيد 19، ويمكن أن يترأس هذه الحكومة شخصية من الحكومة الحالية أو شخصية مسيّسة ومستوعبة جيدا للملف الاقتصادي، وقادرة على إدارة فريق والتواصل مع الشعب، ويمكن أن تضم هذه الحكومة في تركيبتها مجموعة من الشخصيات الكفأة في الحكومة الحالية بما يضمن قدرا من المراكمة والقدرة على الإنجاز السريع.
2 الحكومة المحايدة: فللرئيس آراؤه المعلومة في الأحزاب وفي تقييم أدائها في البرلمان وفي الحكومة.
ولعل هذه القناعات قد ازدادت رسوخا بعد تجربة السنة الأخيرة، لذلك قد يقترح شخصية مستقلة، قد تكون من الحكومة الحالية، لترؤس حكومة من الكفاءات غير الحزبية لإبعادها عن جو المشاحنات الحزبية.
هذا النوع من الحكومات يمكن أن يمر أمام البرلمان بسبب رغبة البعض في إبعاد النهضة عن الحكومة، وبسبب خوف غالبية النواب من حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة إذا سقطت الحكومة المعروضة.
ولكن مثل الحكومة لن تكون قادرة على إنجاز معقول بسبب افتقادها للسند وارتكازها فقط على عامل الخوف من الانتخابات.
3 حكومة دون حركة النهضة: قد يدفع إلى اقتراحها حرص الرئيس على وجود مركز واحد للقيادة في البلاد، وهي فكرة جوهرية في تصوره، كما قد تدفع إليها الرواسب الأيديولوجية والتاريخية، وربما بعض النصائح الخارجية خاصة مع ما تتهم به الحركة في الأشهر الأخيرة من غرور وتعال.
مثل هذه الحكومة لديها حظوظ للمرور أمام البرلمان في استمرار لعقلية المغالبة والمحاصرة، وقد تتلوها جهود لإزاحة رئيس البرلمان الحالي. ولكنها لن تكون قادرة على الإنجاز بل ستتحول معها الأزمة إلى مأزق.
فهل سيأخذ رئيس الجمهورية بعين الإعتبار التوازنات البرلمانية عند إختياره للشخصية الأقدر، أم أنه سيختار الشخصية التي سيراها مناسبة لرئاسة الحكومة دون الإهتمام بالتشكيلات البرلمانية، مثلما فعل عند إختياره لإلياس الفخفاخ؟