أثار تعيين آخر أمين عام لحزب “التجمع ” المنحل، محمد الغرياني، مستشارا بديوان رئيس البرلمان راشد الغنوشي، مكلفا بملف المصالحة، جدلا وردود فعل متباينة.
ففي تعليق على هذا التعيين، قال رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي مساء أمس الأحد 8 نوفمبر في حوار على القناة الوطنية الأولى إن تعيين محمد الغرياني مستشارا في ديوان رئيس البرلمان يأتي في إطار المصالحة الشاملة بين التونسيين”، حسب تعبيره.
وتابع الغنوشي: “محمد الغرياني اعتذر بشجاعة عن ماضيه في النظام السابق ودخل في منظومة الثورة.” واعتبر أن اعتراض البعض على التعيين هي وجهة نظر محترمة، ويجب التأسيس للتسامح والمصالحة والوفاق”.
وفي الوقت الذي رحبت فيه بعض قيادات حزب حركة النهضة بالخطوة، عبر نواب في المعارضة بالبرلمان عن رفضهم لهذا التعيين معتبرين أنه “ضربة لرمزية الثورة”، فيما يرى بعض المحللين أن الاستعانة برجال بن علي “تخفي رغبة لدى الغنوشي للحد من صعود خصمه السياسي عبير موسي”.
ردود فعل غاضبة
نشر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف تدوينة على فيسبوك رفض فيها “بشكل قطعي” تعيين محمد الغرياني في خطة مستشار لرئيس مجلس نواب الشعب.
داعيا إلى منع من وصفهم بالأزلام بالتدخل في ملف شهداء وجرحى الثورة حسب قوله.
وقال “بصفتي رئيسا للجنة شهداء الثورة وجرحاها فإنني أرفض هذا التعيين ولن أتعامل معه، ودماء الشهداء وآلام الجرحى وضحايا الاستبداد والتعذيب ليست للبيع”.
بدوره، قال النائب عن حركة النهضة سمير ديلو، إنه لم يتم استشارتهم بخصوص مقترح تعيين محمد الغرياني مستشارا للغنوشي، موضحا أن “الجسم الداخلي لحركة النهضة لم يبارك هذا القرار” وأنه “ليس ضد أن “يكون لمحمد لغرياني دور في تونس ما بعد الثورة بعد تسوية وضعيته تجاه الدولة، لكن ذلك لا يعني تعيينه مستشارا مكلفا بملف هو معني به مباشرة”.
ورقة لضرب عبير موسي
يرى مراقبون أن تعيين الغنوشي للغرياني يعد بمثابة المناورة السياسية في إطار صراعه مع عبير موسي، يبحث من خلاله عن محاصرتها والتضييق عليها من خلال مهاجمتها من داخل عائلتها السياسية باستمالة “التجمعيين” و”الدستوريين” من جهة، ولامتصاص المشاحنات والخلافات بين الطرفين التي غذتها موسي بخطابها العنيف الذي يستهدف الإسلاميين.
وذهب إلى التأويل نفسه، النائب عن الكتلة الديمقراطية والقيادي بحزب “التيار” هشام العجبوني، الذي اعتبر أن الغنوشي يريد تعيين الغرياني مستشارا له في البرلمان في إطار صراعه مع حزب آخر أمينة عامة مساعدة للتجمّع (موسي)، حسب ما جاء في نص تدوينة على صفحته بموقع “فيسبوك”
وقال العجبوني إنه “من حق راشد الغنوشي الاستعانة بمحمد الغرياني مستشارا خاصا له، ولكن ليس على حساب دافعي الضريبة”، فيما لا يعرف إن كان الغنوشي سيتشبث بهذا التعيين أم أنه سيتراجع عنه في ظل هذه الردود.
كما ترغب حركة النهضة من وراء هذا التعيين إرباك الدساترة وشق صفوفهم للحد من صعود عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر.
ترغب حركة النهضة من وراء هذا التعيين إرباك الدساترة وشق صفوفهم
وعمل الغرياني في عدة مناصب قبل الثورة، آخرها سفيرا لتونس بلندن، قبل أن يشغل منصب آخر أمين عام في حزب “التجمع الدستوري الديمقراطي” المنحل سنة 2011.
وبعد الثورة التونسية عام 2011، التحق الغرياني بعدة أحزاب ذات مرجعية دستورية وبورقيبية على غرار حركة “نداء تونس” وحزب “المبادرة” وآخرها حركة “تحيا تونس”.
ويعد محمد الغرياني أول مسؤول في نظام بن علي يعلن اعتذاره للشعب بعد الثورة، كما عرفت عنه دعواته للمصالحة مع الإسلاميين واعترافه بأخطاء النظام السابق، إلى جانب توطد علاقته بعدد من قيادات حزب “النهضة” وفي مقدمتهم زعيمها راشد الغنوشي.
ويختلف الغرياني مع رئيسة “الحزب الدستوري الحر”، عبير موسي اختلافا عميقا في الرؤية والتصورات حد القطيعة، حتى أنهما هاجما بعضهما بعضا في تصريحات إعلامية سابقة، حيث اتهمها بالتطرف والسطو على الإرث الدستوري والتجمعي، فيما اعتبرته موسي خائنا للفكر البورقيبي وسببا في سقوط حزب التجمع بسبب ما وصفته بصفقات مع الغنوشي، حسب تعبيرها.
الأكيد أن تعيين محمد الغرياني مستشارا لرئيس البرلمان يوجه من خلاله راشد الغنوسي رسائل عدة خارجيا وداخليا
فهل يسعى الغنوشي من خلال هذا التعيين ضرب عصفورين بحجر واحد؟ ننتظر ونرى…