تنويه: قسم المقالات هو قسم حر مفتوح لكل الكتّاب لا يتحمل الموقع أي مسؤولية عن أراء صاحب المقال
منذ سلطة المغامرين الفينيقيين حكمت البلاد بكبار القوم و أهل الرأي و البطانة ( التوسعية) و استبعد باقي الناس و السكان الأصليون للبلد ما يعني الطبقات السفلى في المجتمع القرطاجي.
و جاء كبار العسكريين و المستوطنين رأس حربة للاستعمار الروماني ليسوسوا البلاد و العباد تحت ضغط المعتقدات و القوانين و مصالح أباطرة رومه و من والاهم من الأثرياء و أصحاب المشاريع الإمبراطورية و من لم ينصهر في مشاريعهم همش طولا و عرضا وتوالت السلط تداولا و تناوبت البطالات على البلاد متجددة متطورة في كل الأزمة و العصور …
و كانت حركة التحرر نقطة ارتكاز في صنع نخب ستستفيد منها ” دولة الاستقلال” وفق ماحتمته موازين القوى آنذاك
– فالنقابيون و كل القوى التقدمية و الديمقراطية انخرطوا في بناء الدولة
-وعوض القوميون و الزيتونيون الأجانب في كل مرافق الدولة بعد جلاء الفرنسيين
و مع كل أزمة استفادت ” الطبقة الحاكمة” من مختلف النخب أو تعاونت معها بعد إرهاصات و تجاذبات أو صدام :
– بعد حرب بنزرت 1961
– بعد رجوع الليبرالية 1969-1970
– بعد عملية قفصة1980
– بعد التخلص من بورقيبة 1987
من خلع ابن علي جاءت أفواج و طلعت علينا وجوه مستسيغة انفتاح البلد على الامتيازات و !بهرج السلطة و الأهواء الفكرية
في بلد خفت سيادته و تهلهل أمنه القومي بتخلخل مؤسساته و دخولها مراحل التأزم الجماعات المنتصبة أمامنا لا تحرك من خلالها مفاهيم استراتيجية
نخب استرقاقية…هشة…مطواعة
النخبة متواجدة في مختلف فروع وأقسام المجتمع
– فهي متفردة بعطائها
– ومؤثرة في كل الميادين من خلال مواقعها
– وتصبح موضع تقليد من خلال موقعها و دورها في حالات و أشكال المواقف التي تأتيها
كلها تتجاذبها ولاءات وإرادات أجنبية منخرطة في قيم وأحلاف لا واقعية تتمحور حول الانجذاب و الأهواء و الارتياح النفسي و الانخراط الثقافي الفكري في السائد عالميا و المسيطر مركزيا و الانصياع لنمط الحياة ذاك .
فبالرغم من الثقل الوجداني و منزلة بغداد و القاهرة و دمشق و التمازج مع مكانة مكة و المدينة..
تفرد لفيف من التونسيين بانجذابهم الي النمط الأوروبي-الغربي و إعجابهم اللامتناهي بإفرازاته الثقافية في انعدام توازن و تعقل أنتج نخبا و مؤيدين كثره متماهين حد الارتهان و الذوبان .
فالنخب التونسية لم تنتح علما أو معرفة بل شاء لها ان تبقى ذات طبيعة استهلاكية فحسب.
النخب هم من برزوا و تفردوا في “المشهد العام” للبلاد من خلال مسكهم بمقدرات مالية فكرية قضائية –عسكرية- صناعية- نقابية-جمعياتية – إعلامية …
وولدت حاشية و نخب البلاط مع كل العهد الحسيني و انتج التواجد الفرنسي و دولة الاستقلال نخب الدولة ( المدرسية الوطنية للإدارة مثلا ) + السلطة و النظام
كما افرز المجتمع و صراعاته نخبا سياسية حرة و معارضة
و اعتادت البلاد على تراكم من نوع آخر داخل البلاد :
نخب جهوية قائدة و نافذة في المدن التاريخية و الساحلية خصوصا و الحقيقة أنها مسألة تاريخية و قائمة الى جانب ظاهرة ” الميعاد” في المجتمعات الريفية خصوصا و هي اغلبها ذات طابع قبلي او عائلي في مدن عريقة / توزر – قفصه – المهدية… و طبيعة هذه النخب الولاء التام للسلطة و نغذيها بالشرعية كممثلة للسكان في المطلق .
و النخبة القائدة هي المالكة للسلطة . و توزع بعض الامتيازات على الحلقة الأولى من المقربين منها و تبنى شرعيتها بدعم نخب بعيدة عن مركز النفوذ و هذه النخب ” الصفوة” ” الأخيار” ” اهل الحل و العقد” ” ذوي شأن” ” علية القوم ” ” الحلقة الأولى ” ” دائرة النفوذ” / دوائر النفوذ/ ” الأعيان و الأشراف و كبار..التجار.. و الوجهاء..” ” شخصيات اعتبارية ..”
وهذه النخب حاضرة حول السلطة المركزية وتتحول من نظام الى آخر و تتنوع متغيرة مع كل تحول حد التأفلم مع كل نظام حكم .
وصاغت في الصراع مقومات حمايتها و تجددها منذ مركزية السلطة و تنظيرات ماكيافال و النظم الاستبدادية.
نحن من يضفي على بعض الناس صفات و قيم كفاعل اجتماعي في أعلى هرم المجتمع .
إن الواقع المترجرج للمسائل الفكرية و ضيق الحيلة و ضعف الخيال السياسي للنخب الوطنية
إضافة لضيق الصدر الأسطوري لدى شخوصها يوحي بالعجز في التفاعل مع الواقع الوطني و الإقليمي كذلك و الدولي أيضا.
مثل ما اصطلح عليه ” الثورة” حدا زمنيا فحسب لما آلت إليها نواصي الحكم و التسلط في توزيع متجدد للأدوار الامبريالية و ركائزها في منطقة ” الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ” حسب الإستراتيجية الأمريكية .
فسقوط ابن علي كان إذانا بسقوط تحالفات آل سعود و بروز قطر كوكيل حصري للمصالح الغربية فهي الأقدر على إدارة المخطط الجديد برضا الشريك الإسرائيلي و بنعمة المحروقات و قناة الجزيرة مكونة الرأي العام الغربي و الإسلام و القرضاوي المصري- القطري ” اخرج الثورات من عباءته”
مسنودة إلى نظام حماية الأطلسي و إسرائيل و خليفة أهل السنة تركيا بعد انتكاسة الحليفتين الكبيرين و السنيين مصر و السعودية.
وصلت ” زعامات” بعد ضرب للتمدد الفرنسي من خلال ترحيل الغنوشي و مجيء السبسي المجهز لتبرير الوضع الجديد و محو ” لجنة ابن عاشور”و فتح الطريق ” الانتخابات” و جب أن تكون فيها : الإسلاميون القابلين للتجربة مع ‘ علماني’ أثبت انه ” منظر” لقاء العلمانيين و الإسلاميين المعتدلين منذ نهاية 2005 بنصوص بذل فيها ع. كريشان جهدا مضافا للمرزوقي فكان ” الرئيس” فزاعة للقوى التقليدية و هو يجهر انه المخطط للحكم القادم على حساب المنظومات القديمة و الرموز القائمة منذ الفترة البورقيبية .
الطارؤون على الواقع الوطني:
كل المتقدمين لإيجاد حلول للبلاد هم في الحقيقة يتقدمون بخدمة كبيرة لتسويق أنفسهم و تقديم حلول عاجلة لأزماتهم النفسية و الوجودية
فالكل متهافت على السلطة و كل من برز للإعلام و فرض نفسه على دور الأخبار لا يريد مسك الحكم و بأي ثمن فمنهم من ينتخب فوات الزمن و العمر على حلم يراوده. و الأغلب لا يخرج عن ثقافة المقامرين و المغامرين بأي ثمن
و إلا ماذا نفهم من زعيم الحزب الجمهوري المسافر بيننا منذ الستينات و ماذا عن رجل من اليسار ينحرفون نحو الأحزاب المالية – التجمعية و عن أحزاب يؤسسها ( سليم الرياحي – العجرودي – نصرة العربي – بحري الجلاصي ) / يجتمعون على ثلاثي المال و السياسة و الإعلام/
إن ضعف النخبة دليل على :
1- غياب المرجعيات او تجاهلها و عشوائية و تخبط
2- ضعف التكوين حد التهميش و الشعوبية السياسية
3- عدم الوعي بضرورة التنظيم و مسائل بناء الحزب وبالضرورة عدم فهم الدولة
كل هذه دلالات إن بناء التنظيمات مرتبط بمسألة السلطة
– فأما حزب حاكم يؤمن شرعيته وولاء الإتباع و من والاهم
– وإما رفع اسم حزب أو تأسيس لمواقع قيادية لقنص بعض الامتيازات او المشاركة في اقتسام السلطة
إن ضيعة النخبة أصل المسألة التونسية بعد سوء التموقع الفكري و الكسل الإبداعي إذ لم تنسىء قاعدة ذهنية او ثقافية و لم تكن يوما ولادة قادة ينتجون معرفة او فكرا سياسيا أوهم دعاة او هم بناة تنظيمات جادة .
نخب ” صنيعة” بورقيبة –ابن علي : فهم نتيجة بطش الآلة القمعية :
– – نخب سياسية عذبت و سجنت وابتعدت عن واقع الحياة و المشاركة في تنظيم و تأطير الأنصار
– نخب سياسية ابعدت وروقبت و قتلت فيها روح المبادرة و قطعت عن التواصل مع واقع بلادها
– نخب كتب لها الهجرة…
– نخب عاشت “النضال السري”
– نخب ابتعدت عن المعارك تتذمر في حلقاتها الخاصة
-نخب أرادت التعامل السياسي في المجتمع المدني كالنقابات و حقوق الإنسان
و المشترك بين هذه النخب هي أنها كلها “منغلقة” على نفسها و على الباقي , و لما تفاجؤوا بالرابع عشر 2011 خرجوا للناس كأهل الكهف بعيدين زمنا و مكانا و مشوهين سياسيا .
آذى نظام بورقيبة – ابن علي مناضلي المعارضة بأشكال أخرى ففرخ الفساد فيهم و بينهم فتفننوا في كل أنواع الرقاعة و الالتفاف و السفسطة و إسقاط كل درجات الأخلاق السياسية .
و كثيرون انصهروا ان لم ينبطحوا للمنظومة الاستبدادية ان لم يصبحوا احد إضلاعها.
وجد أهل السياسة امامهم مولودا لم يتهيئوا:
أ-لاستقباله فهرع جزء منهم لتحديد احتجاجهم كما كان لهم من السنة أولى نضال جامعي دون أفق سياسي و تلاشي مرجعية فكرية و نظرية و هذا الرهط السياسي هو الحامل للواء الوصاية على ” الديمقراطية” ” العدالة الاجتماعية” عموما و باطلا .
ب-واجتهد آخرون لتقديم قيادات دستورية كادوا أن يكونوا أجداد لهم : بن صالح – المستيري – الفيلالي …
و في أحسن الحالات الأصغر من بينهم و ابن المؤسسات الدولة ‘ المرجع’ قائد السبسي* و هؤلاء أدعياء ” التجربة” نعم لم تصنع المعارضة و لا الحراك السياسي و الفكري قيادات نضالية أو فكرية
لم تنتج قيادات ميدانية مسيسة و تفهم الحكم و تقدم تصورات و حلول لمشاغل و طموحات شعبها .
ج- حركة النهضة اجتمعت في تونس بعد 14/01/2011 في ” حالة أزمة” معلنة تاريخيتها و أحقيتها و شرعيتها و أنها ” ملحمة نضالية” لانظير لها في اكتمالها و طهرها في تماه مع مظلومية الحسين و آل البيت لهم الحق في الكل , السلطة و المقدس و د ساهم الطيف السياسي القديم و المستحدث حول القدرات الخارقة للعادة للإسلاميين , مالا و آلة حزبية و شرعية نضالية …و ديمقراطية…
تلخص ما للحركة الإسلامية : الاقتدار و الحكمة
غش في المصطلحات غش في الاستعارة
سقط المنخرطون في العمل السياسي على حدث 14/01/2011 في نية تحويله الي مرحلة تاريخية فصورت الانتفاضة التي تعامل معها و أطرها اتحاد الشغل حسب المرجعية الذهنية الانفعالية المنجذبة لي القاموس الفرانكفوني :
14 جانفي قريبة الملامح من تاريخ 14 جويلية = 14ج
– إذا نعلن الحدث ” الثورة” كما كان مع الواقع الفرنسي و استرسال في المغالطات المعرفية و التيه في التزوير المفاهيم دون دراسة واقع الحال الوطني فكانت ركاكة اختلاق أعداء هذه الثورة الافتراضية باعتماد وحدة القياس الفرنسية
– ثورة تستدعي , ثورة مضادة ,وهم, التجمع الدستوري الديمقراطي و المخابرات
* و يتواصل إتمام المثل الأوروبي
كما تم انجاز مجلس في باريس تطالب تونس بمجلس تأسيسي أو اتفق انه ( جمهورية الأحزاب ) و خاض الوزير الأول السابق محمد الغنوشي صراعا ليقدم ظرفا ل55 شخصية اعتبارية يرأسها عياض بن عاشور تحت مسمى ” الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة..” .. هكذا دون سابق إنذار أو حتى علامة استفهام على المسعى
* و كان النفير العام لفرض مفاهيم في سياق ترشيحنا كثوريين حقا
– نظام “مؤقت”
– ” جمهورية ” أولى..”وثانية”
– حتى “دركتوار” كاد ان يفرض علينا و عوض”ترويكا” مبتذلة و سيأتي ربيع 2011 وتنكس الجماعة لكنها تتحامل على نفسها
1- ان قيمة النخبة في انها قتلت الروح الثورية واجهضت أحلام شبيبة تونس منذ افريل 2011 عند اتفاقها على الانتقال من “المسار الثوري” / الانتقال الديمقراطي”
2- المحا فضة على قيادات ” تاريخية” على رؤوس تنظيماتها دونما تشبيب او مؤتمرات حقيقية او إرادة جادة في بناء أحزاب تستجيب للواقع الوطني بعد التغيير الكامل مع استهلال العام 2011
3- آخر البدع التحديثية استبدال العلاقات المباشرة و بناء الكوادر ..بأخلاق الفرجة في المنابر الإعلامية بما يضيق على النضال فتقلص الجماهير إلى متناظرين و يتقلص الوطن من 163000كلم مربع الى 16 متر مربع .
*طلب الشهرة الإعلامي و الاشهار ليعم الرفاه البرجوازي .
ففي تونس حصل* ” السقوط الجماعي” كنتيجة حتمية و مؤكدة لنخب لاتملك قرارها ولا ثقة لها يكنهها و التزاماتها فكانت المحرمات القصوى في ضياع ,
– القرار الوطني المستقل
– والسيادة الوطنية
– و فقدان الوعي بالأمن القومي
* ” الغيبوبة” في ضعف تحديد الأزمة طبيعة وحجما
في تصوري ان النخبة مجتمعة كان لها ان تفكر بأقصى حالاتها , أي دور محوري لتونس ؟ في هذه المرحلة .
انقطع النفس وضاقت الحيلة متزامنتين ذاك اليوم المشهود لتمططه الجماعات ( التقدمية) و تعرقل نموه … فتتلاقى البغتة و الصدفة و الانتهازية في 14/01 للاستفادة من سلطة تتلاشى و الإبقاء على عيد تدعى تبنيه و تستمر عطاء مرحلة على انه منها .. حتى يتم لها تقاسم تركة ابن علي و ذاك حد الاجتهاد السياسي لهم ؟
فالجماعات اليائسة من أصولها السياسية و التي استطالت أمد صراعها مع النظام رجحت احداث 14/01
” فرصة العمر” بكل مقامر سياسي فتصورت تلكم الأحداث ” فرصة تاريخية” لعمر كاد أن يفني في دور شيخوخة حقوق البشر او في مكاتب “محمد علي” النقابية و باقي ملاجئ المجتمع المدني … مع التنظير لنهاية الايدولوجيا… في دور الترفيه او تقديم استحالة النضال تحت الاستبداد و الاستفادة من الاستبداد عينه .
بعد زيارة المبعوثين الأمريكيين ( ماك-كاين+ليبرمان+فيلتمان) و تقبل منهم أن تونس لن تمر من :
– انتقال ثوري ..بل
– سيكون هناك انتقال ديموقراطي.
* أدت عملية النصب الكبرى أي استثمارفي ” رائدة ثورات الربيع العربي” لضرب ما تبقى من الأمن القومي التونسي :
– فتح المجال للتنظيم = أحزابا و جمعيات عشوائيا
– كفل حرية التعبير اعتباطيا
– إفساح المجال لداحس و الغبراء بين المؤسستين و العسكرية دون تدبير مما شرع في دخول البلاد تحت تنازع وصايات أجنبية عربية و غربية و إسنادها بالمال الفاسد
– تزامن هذا مع ادعاء أن ليبيا المحطمة ستدر شغلا و مشاريعا على تونس و مثلما قطر
– وادعاء إعلامي أن حركة النهضة تنظيم متماسك فعال وديمقراطي قاد فكرا حركة التقدم في تركيا منذ العقد الماضي
– وان قائد السبسي حكيم و يجالس ” أوباما” وقادة الدولة الكبرى ال8 التي تقود العالم فهو مؤهل لقيادة
” الانتقال الديمقراطي” و إنجاح ثورة الياسمين بعد انخراط هذا الكل في إلحاق ليبيا قصفا بالجمهوريات ” الثائرة” على الاستبداد
سياسات جديدة ..تكتيك جديد
واقع جديد وصيغ قديمة ؟
دائما وبا ستمرارية مزعجة- على التجمد و الخمود الفكري – تواجه المثقفين ذو الأصول البرجوازية الصغيرة مشكلة البحث عن صيغ قديمة لظاهرة من الظواهر الجديدة كدليل على ضيق الأفق لديهم او القصور الذهني المزمن
– فلا المجتمع لاقي اهتماما من الأوصياء عليه
– وطبيعة النظام لم تدرس يوما
– ولم تقرر الأشكال النضالية خارج “الحالة الطلابية”
– ولم يقف الرفاق لبلورة مفهوم مرحلة حركة التحرر الذي تمر بها تونس
نور الدين القاهري