يقول المؤرخ الأميركي ويل ديورانت (ت 1402هـ/1981م) -في ’قصة الحضارة’- إنه كان للمسلمين بالأندلس “أسطول تجاري يزيد على ألف سفينة يحمل منتوجات الأندلس ومصنوعاتها إلى إفريقية وآسية، وكانت السفن القادمة من مئة ثغر وثغر تزدحم بها”!!
وينقل مؤرخونا القدماء أنه كانت تعلو صفحة نهر النيل في مصر 36 ألف مركب تنقل الناس والبضائع، وكان في العراق 30 ألف سفينة بنهر دجلة وحده!!
تُرى ماذا حدث للمسلمين الذين اعتادوا ركوب سفن الصحراء -من جمال وغيرها- حتى يصحبوا أهم ربابنة وملاحي البحار في التاريخ؟! لا تبعد الإجابة عن تلك الاندفاعة الحضارية الكبرى للمسلمين نحو العالم من أجل الدعوة والتجارة، وتحدي الإمبراطوريات الكبرى وصولا إلى نيل السيادة العالمية قرونا عديدة.
إن تلك الاندفاعة الحضارية هي التي جعلت سفن جزيرة العرب ترسو على بحار بل ومحيطات عالمية أضحت عربية بالنفوذ السياسي والتأثير العِلمي والرواج الاقتصادي، وتُوَّجت مجدَها بفتح القسطنطينية بعد 29 محاولة تكسرت عزائم منفذيها مع أمواج مرافئ هذه المدينة التي أرّخ سقوطها لنظام عالمي جديد!
فكان البحارة المسلمون على دراية عميقة بأنواع السفن العسكرية، وتكتيكات المناورات الحربية، وعمليات القوات الخاصة في الإنقاذ والإنزال البحري.
كما بلغت هذه المؤسسة أوج عطائها في فنون الملاحة حين استطاع أحد ألمع ربابنتها رسم خرائط في غاية الدقة والإبهار لقارات العالم الجديد (الأميركتان الشمالية والجنوبية)، وما زالت براعة راسمها التركي المسلم تثير دهشة خبراء الخرائط الجغرافية في أبرز جامعات العالم بأميركا وأوروبا!