تحييد المساجد ، هذه الإسطوانة المشروخة و التي اشتدّ نشازها هذه الأيّام ، ماهي إلاّ حلقة محكمة الدّفع و التمويل من مشروع عالمي لمحاربة الدّين الإسلامي و منع ظهوره على شكل عقيدة صحيحة و نظام مرجعيّته الكتاب و السنّة ، هذا المشروع القديم الجديد زادت حدّته خصوصا بعد ثورات الربيع العربي وصعود الإسلاميين – في انتخابات بمرجعيّة و مواصفات الغربيين أنفسهم – و تهاوي أصنام العمالة ودكتاتوريّات الحديد و النّار والقمع في سبيل تغريب الدين والهويّة .
كما أنّ تحييد المساجد ما هو إلاّ حلقة من كثير من حلقات تغييب و محاربة الدّين الإسلامي و محاصرة و كتم النّفس الإسلامي الصّحيح و إقصاء الصّادقين من القائمين على نشره و الدّعوة إلى قيامه عقيدةً ونظاما وتثبيته في حياة الأمّة ككلّ . وما يحدث في تونس من لغط في ذات الموضوع ليس إلاّ تواصلا في نفس التوجّه الأعمى و المقيت لمحاربة شرع اللّه ،، و تحييد المساجد شعار رفعه الخائضون في غوغائيّة – قصدٍ و معنى – تعمّدا و ابتغاءً في إضفاء ذريعة يتستّرون بها أما م عامّة المسلمين و لجلب تأييدهم لهذا المطلب ، و لعلّ من غرابة ما أحاط و يحيط بهذا الموضوع في كلّ تناولاته أنّه تُجمع له كلّ الشّخوص و الآراء التي لا تمتّ للدّين بصلة لا من قريب و لا من بعيد فضلا عن أنّها اشتهرت بعداءها الصّريح و المعلن لشرع الله و تعاليم دينه الحنيف و يُغيّب عمدا عن ذلك أهل الشأن و الإختصاص من العلماء و العارفين ،،،
هؤلاء الخائضون – المتأدلجون يسارا و سدنة العلمانيّة العمياء – لا هدف لهم من إطلاق هذه الحملات الشعواء إلاّ مزيدا و إمعانا في إقصاء الدّين الإسلامي و استبعاده عن الحياة العامّة للشعب التونسي المسلم و وضع الحجْر على مواطنيه وحصر الدّين في دوائر ضيّقة من العبادة مع كثير من الهرطقة و الدّروشة ، و تقزيم دور المسجد ، المسجد الذي كان و لا يزال – رغم فترات الضّعف و الهوان في الأمّة – قلبها النّابض و النّواة الرئيسيّة في تشكيل النّسيج الإجتماعي و تسيير المناهج التربويّة و التعليميّة و الثقافيّة و الإقتصاديّة و السّياسيّة ، و نشر مباديء التعاون و التكافل و مجابهة الأخطار و الآفات التي تحدق بالمجتمع على إختلاف مشاربه و أعراقه و دياناته و معتقداته .
المسجد ما هو إلاّ مؤسّسة دينيّة في أصلها ، تضطلع بمهامّ لصيقة بها و هي من تمام إختصاصها و هي مهامّ اجتماعيّة ، خدميّة ، فكريّة و تربويّة شأنها كشأن أيّ مؤسّسة أخرى من مؤسّسات المجتمع المدني ، وهي قائمة ما بقي الإسلام على هذه الأرض الطيّبة ، أمّا ما يمكن أن يداخلها من بعض الإخلالات التي يمكن أيضا أن تداخل أيّ جمعيّة أخرى – و إخلالات آلاف الجمعيات في تونس أكبر من تُحصى أو تُعدّ تسييرا و تمويلا و أهدافا – فيمكن رفع هذا التداخل و الإلتباس بتشخيصات منفردة و معالجات فرديّة يقوم بها أهل الإختصاص كشأن أيّ ميدان آخر لا يقبل الخوض فيه إلاّ من أهل إختصاصه و نخب شاغليه و القائمين عليه ،،،