من الكتب التي توضع بين أيادي أبنائنا التلاميذ وتهدى جوائز للنجباء في آخر السنة الدراسية اخترت رواية “الجدار” التي كانت جائزة لابني.
و بما أنني أراقب دائما نصوص المناهج التعليمية و الكتب التي تهدى لأبنائنا فإني أخير الاطلاع عليها أولا قبل ان تسمم أفكارهم وتحيدهم عن المبادئ التي زرعناها فيهم والمواقف التي يجب أن يتخذوها في قضايا أمتهم المصيرية.
فرواية “الجدار” لصاحبتها سلمى اليانقي ما إن مسكتها حتى توقفت لحظات مع صورة غلافها المتمثلة في جدار تتوسطه فتحة تخرج منها يدان تحملان حمامة وغصن زيتون وتحتهما علم فلسطين.
وأول ما قفز إلى ذهني عند مشاهدة الصورة موقف النظام العربي من صراع الأمة مع العدو الصهيوني وهو موقف ظل على مر عقود لا يرتقي إلى طموحات و تطلعات الشعوب ولم يقدم العرب في جامعتهم البائسة غير التنازل وراء التنازل رغم المجازر والاستيطان وجدار الفضل إلى أن نفضوا اياديهم من هذا الصراع بمعاهدة سلام قدموها لأعداء الامة سنة 2002 ورفضها شارون قبل أن يجف حبرها وصولا إلى التطبيع العلني وإبراز خيانتهم العظمى على الملأ.
بدات في الابحار بين سطور الرواية التي صدرت سنة 2009 وهي السنة التي انتصرت فيها المقاومة على الصهاينة في حرب ”الفرقان“ وهي الحرب التي بدأها العدو في ديسمبر 2008 بتواطؤ من النظام العربي للقضاء على حركة حماس بغزة…ومنيت نفسي بإيجاد بطولات المقاومين الفلسطينيين رجالا ونساء في رواية الجدار ولكن أول خيبة منيت بها غياب صورة المراة الفلسطينية المقاومة التي احتلت مكانا بارزا ومميزا في النضال الوطني بكافة أشكاله حيث انحازت إلى خيار المقاومة بتصديها البطولي لقوات الاحتلال جبنا الى جنب مع الرجل مضحيةبالزوج والولد والروح فداء للوطن وحريته وكرامته وذلك منذ عهد الانتداب البريطاني على فلسطين الى غاية اليوم..
قلت لم اجد صورة مقاومات وخنساوات فلسطين في بطلة الرواية ”زينب“التي بقيت لسنوات تعاني من العقم والحرمان من الابن الى حين عثور زوجها عبد السلام على طفل تائه في الشارع فاخذه للبيت لتتبناه الأسرة ويطلق عليه اسم أحمد .
ومن الله على زينب وعبد السلام بعد تبني أحمد بالإنجاب فجاءت آمنة لتؤنس العائلة…ويكبر أحمد وفي مختلف مراحل عمره لا يملك القارئ إلا التعلق به وخاصة لما اختارت الروائية سلمى قطع نسل زينب وعبد السلام للأبد وذلك بمقتل ابنتهما آمنة من قبل صهيوني ليزداد بعد قتلها تعلق زينب بأحمد ومن ورائها تعلق القارئ به أيضا.
وتصدت زينب على عكس خنساوات فلسطين إلى كل محاولة مقاومة يبديها أحمد متعللة بصغر سنه فيجيبها ”أنا صغير؟ وما دمت صغيرا و أترابي صغارا فمن سيجارب إذن؟“ ..بل وترى زينب أن أصدقاء أحمد المقاومين خطر عليه فتقول لزوجها عبد السلام في الصفحة 32 من الرواية ” وانت لا تعرف أن خوفي كله متأت من أصحابه الذين دفعوا بعبد الله إلى الهاوية؟“… وعبد الله هو أحد أصدقاء أحمد المقاومين خطط لعملية استشهادية و أخبر أحمد أمه زينب بها فسخرت من هذا الشاب قائلة: ” ومن هو هذا الفدائي الذي يستحق وساما على شجاعته؟“ .. ولما أعلمها أحمد أنه صديقه عبد الله عزمت على إخبار والدته عائشة لتثنيه عن محاولة القيام بهذه العملية الاستشهادية قائلة لأحمد: ” سأذهب إلى الأم المسكينة علها تلحق ابنها وتعيده إلى صوابه قبل أن ينفذ ما عزم عليه – ص30“ ..إلا أن الروائية سلمى هي التي اختارت إحباط هذه العملية الاستشهادية بتلقي عبد الله طلقة من جندي صهيوني عندما كان يحاول إنقاذ طفل صغير هارب من هذا الجندي.
وبين خيار المقاومة من أحمد وصده من قبل أم لا تمثل لا من قريب ولا من بعيد أمهات فلسطين تدخل بنا الروائية سلمى فجأة إلى المجتمع الصهيوني لتبرز لنا أول ما تبرز فيه جانبه الإنساني وذلك لما أنقذت إحدى أفراد هذا المجتمع الصهيوني الشاب أحمد أثناء ملاحقة أحد الجنود الصهاينة له وانسداد كل منافذ النجاة أمامه.
أنقذت إلين اليهودية أحمد من الجندي الذي يجري وراءه لتدخلنا الروائية بعد هذا المشهد إلى قصص من ألف ليلة وليلة وحكاية عشق وغرام بين الاثنين لنكتشف في النهاية أن أحمد هذا الطفل ثم هذا الشاب الذي تعاطف معه القارئ وطبع معه نفسيا ما هو إلا جوزيف ابن خالة إلين الذي تاه عن عائلته وهو ابن 3 سنوات بسبب هدم بيت أبويه وبيوت غيره من الصهاينة وموت جدته تحت أنقاض البيت المهدم على أيدي المنتفضين الفلسطينيين ليصبح الجلاد في رواية الجدار هو الضحية .
وتصور لنا سلمى اليانقي المنتفضين الفلسطينيين والذين لا يملكون سوى صدورهم العارية وحجارة في أيديهم هم المتسببون في هدم بيوت الصهاينة ..فجاء في الصفحة 56: ( ولم تمض أيام حتى تهدم البيت وماتت الجدة وغاب جوزيف – أي أحمد- عن الأنظار…وأتت الانتفاضة لتحمل معها البيت الذي يأوي الجميع والفتى المحبوب من الكل ومستقبل الفتاة التي ظلت روحها متعلقة بروحه… ) – وعمر الفتاة والفتى آنذاك 3 سنوات فقط وروحها متعلقة بروحه.- .. وتصور لنا سلمى اليانقي مأساة الصهاينة وبكاءهم وعويلهم وموت أقرباء وفقدان أطفال تحت الأنقاض وتحطيم دكاكين ( حطمت الانتفاضة دكان داود..الانتفاضة هي سبب ما نحن فيه).
وقد أمعنت صاحبة ”الجدار“ في إدخالنا إلى صلب المجتمع الصهيوني عبر قصة الغرام بين إلين واحمد ( اي جوزيف ابن خالتها) التي ابتدات بينهما منذ السن الثالثة من عمرهما وقبل ضياع جوزيف …وتعرفنا سلمى على عائلتيهما لتظهر لنا مجتمعا متميزا بالفطنة والذكاء وطيبة القلب والحنان والحكمة والصدق فجاء في الصفحة 51 (كان جوزيف يعرف أن إلين لا تقسم كذبا أبدا…. وأما جورج فهو بالرغم من طبعه الخشن فهو طيب القلب وحنون ….كانت إليس متميزة في تلك العائلة بفطنتها وسرعة بديهتها وبعد نظرها …كانت راجحة العقل وحكيمة).
هذا هو المجتع الصهيوني الذي صورته لنا الروائية سلمى اليانقي في حين انه مجتمع ما تعودنا منه الا العدوان على أشجار وبيوت ومقدسات الفلسطيننين وما سمعنا من نسبة كبيرة تصل الى 70 بالمائة منه حسب الإحصائيات إلا المطالبة باستمرار اي عدوان يقوم به الاحتلال حتى يحقق كامل أهدافه وعلى رأسها إبادة المقاومين.
واصل الى خاتمة الرواية وقد توجتها سلمى اليانقي بمقتل أحمد ونطق إلين بالشهادة لتجعلنا نسأل عن غايتها في إخضاع إلين إلى الإسلام.. هل لدغدغة مشاعر القارئ ولمزيد التعاطف مع هذا المجتمع الصهيوني عن طريق إسلامها ام أنها ردت هذا الصراع مع هذا العدو إلى ما حدده الإسلام عن نهايته بقول الله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا – الإسراء- 7) وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر . فيقول الحجر والشجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله ، إلا الغرقد ) .
أنهي قراءتي لأقول اني وجدت في رواية الجدار دعوة إلى التطبيع مع هذا العدو بدأته الروائية سلمى اليانقي بزرع طفل تائه تعاطف معه القارئ وطبع معه نفسيا إلى غاية إرجاعه لأصله وأهله اليهود لنتعاطف -من خلال تعاطفنا معه -مع مجتمعه الصهيوني الذي صورته لنا بانه ضحية الانتفاضة الفلسطينية ..وقد تساءلت إن كان هذا هو موقف الكاتبة سلمى اليانقي من قضية صراع الأمة مع هذا الكيان الغاصب أم أن المثقف لا يمكن له إعلان موقفه الحقيقي من هذا الصراع ومن المقاومة في ظل أنظمة عربية عميلة آمنت بالسلام الظالم والمذل مع هذا العدو وطبعت معه سرا وعلنا.
.ولمعرفة موقف الكاتبة سلمى اليانقي توجهت إليها بهذا السؤال : ” تؤمنين بالسلام والتقارب مع الاسرائيلي أكثر من المقاومة في روياتك “الجدار” فهل أنت على ثقة انه بالإمكان إقامة سلام معه أم لأن الرواية كتبت تحت نظام مستبد وعميل وموقفه من التطبيع ومن القضية الفلسطينية ككل لا يسمح بإظهار الموقف الحقيقي من المقاومة ؟“ فكان جوابها أن ”موقف النظام السابق من القضية الفلسطينية لا يهمني البتة وقد كتبت روايني بناء على أفكاري وليس على أفكار النظام“.