يتزامن يوم 27 جانفي 2022، مع الذكرى الثامنة لإعلان دستور الجمهورية الثانية، وذلك إثر 3 سنوات من صياغته امتدت من نوفمبر 2011 إلى جانفي 2014.
واكب هذا الدستور مختلف أزمات الجمهورية الناشئة ذلك أنّ أعمال المجلس الوطني التأسيسي (تمخض عن انتخابات 23 أكتوبر 2011)، تمّ تعليقها في جويلية 2013 إثر اغتيال النائب محمد البراهمي، أثناء “اعتصام الرحيل” الذي تمّ تنظيمه أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي مطالبا بحل الرئاسات الثلاثة وهي المجلس الوطني التأسيسي وحكومة علي العريض ورئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وقد دعا إلى هذا الاعتصام حركة “تمرد” بمشاركة الجبهة الشعبية وأحزاب أخرى والاتحاد العام التونسي للشغل ومستقيلون من المجلس الوطني التأسيسي.
وبعد “حوار وطني” رسم خارطة طريق للخروج من الأزمة السياسية عاد المجلس التأسيسي إلى عمله وأنتج دستور 2014 الذي صادق عليه النواب بأغلبية ساحقة يوم 27 جانفي 2014، وتمّ الاحتفال بصدوره يوم 7 فيفري 2014.
احتفال افتراضي..
أمس، احتفل 91 نائبا في مجلس نواب الشعب المجمدة أعماله بفعل “قرارات 25 جويلية”، وقد كان هذا الاحتفال افتراضيا على تطبيق “زووم”، ذلك أنّ رئيس البرلمان راشد الغنوشي، دعا أعضاء مجلس نواب الشعب إلى إحياء الذكرى الثامنة لختم دستور الجمهورية التونسية.
وفي هذا الشأن، صرّح عضو مكتب البرلمان ومساعد رئيس مجلس الشعب المكلف بالإعلام، ماهر مذيوب، أنّ “رمزية هذا الاحتفال، تكمن في أنّ الدستور هو الحلّ وليس العكس، بالعودة إلى المسار الدستوري والمؤسسات المنتخبة، وإنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية، وإطلاق حوار اقتصادي اجتماعي جامع للوقوف معاً أمام التحديات التي تهدد كيان وديمومة الدولة التونسية”.
وشهد البرلمان دعوات إلى عقد جلسة عامة في أكثر من مناسبة من قبل نواب ائتلاف الحكم، احتجاجاً على وقف أعماله من قبل رئيس البلاد عنوة، وتعبيراً عن عدم اعترافهم بقرار التجميد، غير أنّ هذا الخيار لم يحظَ بدعم غالبية الكتل المعارضة.
أمّا ما سبق “تجميد الدستور”، فلم تحتفل رئاسة الجمهورية بذكرى إعلانه بل اقتصر الاحتفال الرسمي على مجلس نواب الشعب دون حضور ممثل عن رئاسة الجمهورية.
وفي كلماتهم في ذكرى الاحتفال بالدستور، أجمع النواب على أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيد انقلب على دستور الثورة كمكسب وطني يوم 25 جويلية الماضي، وتم تمزيق وحدة التونسيين وتعطيل المؤسسات وتجميع السلطات في يد شخص واحد.
دستور مجمّد..
اعتمد رئيس الجمهورية قيس سعيد الفصل 80 من الدستور كمرجع رئيسي للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها وأعلنها ليلة 25 جويلية 2021، ولم يعلن تعليق العمل بالدستور لأنّ ذلك يعني ضرورة المرور إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
فالدستور يمنع سعيد من حلّ البرلمان لذلك ابتدع حالة “تجميد الأعمال”، ولم يعلن تعليق الدستور لكنه أعلن أحكاما انتقالية بمقتضى المرسوم 117 الصادر في 22 سبتمبر 2021.
ففي خطاب له يوم 20 سبتمبر 2021 في سيدي بوزيد، قال إنه ”تم وضع أحكام انتقالية”، كما أكد أنّه ”سيتم وضع مشروع قانون انتخابي جديد حتى يكون النائب مسؤولًا أمام ناخبيه” ولم يُعلن عن حل البرلمان. (أعلن لاحقا خريطة طريق للانتخابات التشريعية إثر انتهاء الاستشارة الالكترونية، وتنتهي هذه الخريطة مع نهاية سنة 2022).
ويرفض سعيد اتهامات معارضيه بتعليق العمل بالدستور عقب القرارات التي أعلنها في سبتمبر الماضي، قائلا إنه “تم اتخاذ تدابير استثنائية ينص عليها الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”.
في المقابل، قال رئيس الجمهورية في خطاب له يوم 8 ديسمبر 2021، إنّ الطريق واضحة للخروج من الأوضاع الاستثنائية في البلاد، وذلك بالعودة إلى الشعب بشكل مختلف، وأنه لا بد من حلّ قانوني وفق إرادة الشعب.
وأضاف الرئيس سعيد، خلال لقائه مع أساتذة القانون الدستوري بالجامعة التونسية، وهم الصادق بلعيد، وأمين محفوظ، ومحمد صالح بن عيسى، للتباحث بشأن مشروعية دستور 2014 في البلاد (وفق بلاغ رئاسة الجمهورية)، معتبرا أن “أزمة البلاد تكمن في دستور 2014، الذي لم يعد صالحا ولا مشروعيه له في تونس”.
واتهم سعيّد أطرافا لم يسمها بـ “تزوير العقول قبل أن يتم تزوير الانتخابات”، وبالتواصل مع أطراف أجنبية.
إذا فمن جهة، يشدد سعيد على أنّ لم يعلق العمل بالدستور ومن جهة أخرى أقرّ أحكاما انتقالية خارج إطار الدستور، ذلك إصدار أحكام انتقالية يعني بالضرورة تعليق الدستور، كلياً أو جزئياً.
ويعمل رئيس الجمهورية حاليا على إدخال تعديلات على الدستور وذلك عبر “الاستشارة الالكترونية” التي يقع تنظيمها الآن وقد شابت عملية تنظيمها والآليات المعتمدة فيها وفحواها، العديد من الاخلالات فضلا عن الغموض والتساؤل بشأن شرعيتها ومشروعيتها دستوريا وشعبيا.
ويوم 25 جويلية 2022 سيتم تنظيم “استفتاء شعبي” لإقرار هذه التعديلات على الدستور، بعد صياغتها من طرف “لجنة تأليف لمقترحات الاستشارة الالكترونية”، ذلك أن سعيد قال إنّه سيشكل لجنة خبراء لصياغة دستور جديد يكون جاهزا بحلول جوان 2022 قبل الاستفتاء.
وختاما، وجب التأكيد على أنّ دستور 2014 لا ريب فيه الكثير من الثغرات والتناقضات التي أفرزتها التوافقات السياسية آنذاك من أجل الخروج بالبلاد من الأزمة السياسية الخانقة التي ألمت بها خاصة عقب اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، لكن لا يمكن استخلاص أنّ “الدستور هو محور أزمات تونس” السياسية والاجتماعية والاقتصادية العاصفة منذ 11 سنة.
فالدستور التونسي مثل كل دساتير العالم به مشاكل، لكن يتم تعديله وتطويره وفق الضمانات الدستورية لا في ظلّ حالة استثنائية تسيطر فيها السلطة التنفيذية على كلّ مفاصل الدولة.