وصف رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عبد الستار بن موسى الحوار الوطني الذي انطلق اليوم السبت 5 اكتوبر 2013 بالحمار الوطني
وإن لاقى هذا الوصف تهكما ودعابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من التونسيين إلا أن زلات اللسان وحسب علماء النفس هي الأكثر تعبيرا عن دواخل الشخص ورغباته الدفينة في مسألة ما .
ففي كتاب “علم أمراض النفس في الحياة العادية” الصادر عام 1901، يصف سيغموند فرويد زلات اللسان بأنّها “خلل إجرائي”، ويعتبرها بمثابة مرآة تكشف أفكاراً أو دوافع أو أمنيات دفينة في اللاوعي..كما أن زلات اللسان هي الأكثر تعبيراً عن دواخل الشخص مما يعكسه سلوكه الواعي.
كما أرجع فرويد زلات اللسان إلى عملية آلية لاشعورية تسمى الكبت وهي تمنع الدوافع اللاشعورية من النفاذ إلى منطقة الأنا ولاتصل إلا في الأحلام والنسيان وزلات القلم واللسان..
وقد وجهنا الله سبحانه وتعالى لمعرفة ما بداخل المنافقين من لحن قولهم وذلك في قوله ( وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ )
وجاء في الحديث ايضا : (ما أسر أحد سريرة إلا كساه اللّه تعالى جلبابها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر)،
وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه:( ما أسر أحد سريرة إلا أبداها اللّه على صفحات وجهه، وفلتات لسانه)
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : { ما أضمر امرؤ شيئاً إلا وظهر على صفحات وجهه وفي فلتات لسانه }
ولو عدنا إلى بعض زلات لسان سياسيين فلنا أن نذكر ما قاله الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن على إثر هجمات 11 سبتمبر 2001
فقد خرج في خطاب قال فيه أن الحرب على الإرهاب بدأت وستستغرق وقتا طويلا وستكون صليبية
ولما واجهته انتقادات غاضبة في أرجاء العالم الإسلامي وبقية العالم قال البيت الأبيض إن بوش يأسف لأنه استخدم تعبير الحرب الصليبية وهو يعتبرها زلة لسان.
ولكن هل كانت حقا زلة لسان؟
أبدا… لأن بوش نطق من خلال وعيه الداخلي بما تعد أمريكا من وراء الكواليس لحرب هرمجدون الكبرى ضد المسلمين
فجورج بوش لم يتكلم من ردة فعل وقتية وغاضبة بل من مخطط عبر عقود تعد فيه أمريكا حرب هرمجدون الكبرى …وكل زعيم أمريكي يحلم بأن يكون قائد هذه الحرب .. وبوش الابن أخذ المشعل لاستمكال مراحل هذه الحرب التي يهيؤون بها عودة المسيح عليه السلام وأن الله اختار أمريكا لهذا الشرف حسب اعتقادهم
وعقيدة خرافة اختيار الله لأمريكا لتكون ظل الله على الأرض ، انطلقت منذ العام 1898 عندما وضع السيناتور “ألبرت بيفردج” وثيقة سياسية في الكونغريس جاء فيها: ” عليكم أن تتذكَّروا اليوم ما فعله آباؤنا. علينا أن ننصب خيمة الحرية أبعد في الغرب، وأبعد في الجنوب … علينا أن نقول لأعداء التوسُّع الأميركي في العالم إنَّ الحرية تليق فقط بالشعوب التي تستطيع حكم نفسها، وأما الشعوب التي لا تستطيع، فإنَّ واجبنا المقدَّس أمام الله يدعونا لقيادتها إلى النموذج الأميركي في الحياة؛ لأنَّه نموذج الحق مع الشرف. فنحن لا نستطيع أن نتهرَّب من مسؤولية وضعتها علينا العناية الإلهية لإنقاذ الحرية والحضارة. ولذلك فإنَّ العَلَمَ الأميركي يجب أن يكون رمزاً لكلِّ الجنس البشري”.
وتمادت هذه العقيدة عند السياسيين الذين ترأسوا أمريكا وقد كانت خطابات الرئيس نيكسون في حرب فيتنام لا تخلو من الشعارات الدينية مثل ” الله مع أمريكا ” و ” الله يريد أن تقود أمريكا العالم “وهو ما اصطلح على تسميته في حينه بـ”لاهوت القوة”،
وكذلك الشأن للرئيس ريغان الذي لم يتوقف في انتخابات الرئاسة عن الحديث عن هرمجدون،أي الحرب الكبرى بين إسرائيل وأعدائها ومن أقواله : ” إن نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون “. وقد كان ريغان يظن أن التزامه القيام بواجباته (ومنها إضعاف العرب وخصوصا جيران إسرائيل)، تمشيا مع ارادة الله.
ولنعد إلى ما قاله بوش بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 …فما قاله عن الحرب الصليبية ثم تراجع ليقول أنها زلة لسان ماكانت زلة لسان بل لقد أخذ المشعل في الحرب المقدسة وقال أن الحرب على الارهاب ستبدأ وأن الله أمره في منامه بالقضاء على أشرار العالم وأن حربه ستكون صليبية. بل إن بوش اعتبر المسلمين هم يأجوج ومأجوج الذي يجب القضاء عليهم في حربه المقدسة
فعن مجلة “لونوفيل اوبسرفاتور” الفرنسية أن الرئيس بوش اتصل بالرئيس الفرنسي شيراك قبل أيام قليلة من غزو العراق ليحثه على تغيير موقفه. أدلى بوش في هذا الاتصال بحجج كثيرة حول عدالة الغزو أو الحرب، لينتهي إلى القول أن هذه الحرب إنما هي تنفيذ لإرادة الله، وليست شيئاً أقل من ذلك، أو غير ذلك. وتابع بوش : “اسمع يا صديقي الرئيس: لقد أخذتُ على عاتقي تخليص العالم من الدول المارقة والشريرة وسأعمل على خوض معركة “هرمجدون” بكل ما أوتيت من قوة، من أجل القضاء على “غوغ” و”ماغوغ”..
ولم يفهم شيراك، كما تقول النوفيل أبوسرفاتور، ما الذي قصده بوش بمعركة “هرمجدون” وبما سماه “غوغ” و”ماغوغ”!! فما ان اقفل الهاتف حتى استدعى مستشاريه في القصر وروى لهم ما قاله له بوش حول أن العناية الإلهية تدعوه لغزو العراق. ولكن ما طلبه شيراك من هؤلاء المستشارين، وعلى وجه التحديد، هو إفادته بسرعة عما عناه الرئيس الأميركي بالعبارات الثلاث التي اشكل فهمها عليه وهي “هرمجدون” و”غوغ” و”ماغوغ”.. ويبدو أن المسألة استلزمت وقتاً للحل ،ذلك أن الطائفة الكاثوليكية التي يدين بها أكثر الفرنسيين لا تركز على مثل هذه العبارات الواردة في التوراة. لذلك اتصل مستشارو شيراك بزعماء الفرع الفرنسي للفرقة الانجيلية التي ينتمي إليها بوش ليسألوهم عن فحوى هذه العبارات.. عندها توضح كل شيء: فبوش يعتقد ان المعركة الكونية الحاسمة بين قوى الخير وقوى الشر ستجري قريباً في العالم في مكان يسمى في التوراة “هرمجدون”، ان “غوغ” و”ماغوغ” هما “يأجوج” و”مأجوج” الواردان في سفر حزقيال، الشريران اللذان يأتيان من بابل إلى إسرائيل في محاولة لسحقها. ولما كان بوش مع إسرائيل بالطبع على أساس ان وجودها ضروري للمجيء الثاني للمسيح، فإنه يسارع إلى المنطقة للقضاء على “يأجوج” و”مأجوج” مستبقاً ضربتهما المتوقعة لشعب الله المختار!
فهذا هو كل المخطط العقائدي الذي نطق من خلاله بوش بيقين أن حربه ستكون صليبية ثم رد ذلك إلى زلة اللسان
وبالعودة إلى زلة لسان رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان عبد الستار بن موسى فإني أفسرها برغبة وأمنية دفينة في نفسه أن يرى الشعب من جديد والحكومة الحالية في مقام الحمار الذي يجب أن يساق ويوجه إلى الهدف المنشود بكل الطرق بما في ذلك الترهيب وبث الفوضى في البلاد
وإن ستقبل الحكومة برتبة الحمار الذي يقاد كما يريد البعض فإن الشعب مازال قادرا أن يأخذ بزمام الأمور في الوقت المناسب ولن يقبل إلا أن يبقى الشعب الذي وصلت ثورته إلى قلب واشنطن ليهتف الأمريكيون بلغة عربية فصحى ” الشعب يريد إسقاط وول ستريت ” و….سيسقط….
فيا شعب تونس العظيم حذاري حذاري أن تسمح باستحمارك من جديد واجعل صوتك أعلى من أصوات أعداء الثورة ……فأصواتهم نكرة ومنكرة ….وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير…