معايير الاعتقال في السعودية تختلف عنها في الولايات المتحدة” بهذه الكلمات رد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على سؤال لصحيفة واشنطن بوست نهاية الشهر الماضي، في سياق مقابلة تحدث فيها عن أسلوبه بـ”العلاج بالصدمة” لتغيير واقع الحياة في المملكة.
وعلى وقع موجة متسارعة وغير مسبوقة من التغيرات الاجتماعية والقرارات الاقتصادية، يبدو مناخ الحريات في السعودية يسير بالاتجاه المعاكس، بحسب تقارير دولية أبرزها ما صدر عن منظمتيْ العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.
فقد شهدت السعودية خلال العامين الأخيرين اعتقال مئات من العلماء والنشطاء والحقوقيين، الذين حاولوا -فيما يبدو- التعبير عن رأيهم ومعارضة ما تشهده السعودية من تغييرات، وسط مطالبات حقوقية بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.
أبرز المعتقلين
وأبرز المعتقلين هو د. سلمان العودة الذي يحظى بمتابعة الملايين عبر منصات التواصل، والداعية عوض القرني، والخبير الاقتصادي عصام الزامل، والصحفي صالح الشيحي الذي حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن بعد أن تحدث عن الفساد في الديوان الملكي في لقاء على قناة تلفزيونية سعودية.
وبحسب متابعين لملف المعتقلين السياسيين في السعودية، فإن غالبيتهم جرى إيداعهم سجنيْ ذهبان والحائر.
ويربط نشطاء بين حملة الاعتقالات وموجة التغييرات المتسارعة التي تشهدها السعودية من جهة، والأزمة الخليجية من جهة أخرى، حيث إن ما يربط بين معظم المعتقلين أنهم لم يكونوا ضمن موجة المشاهير الذين أعلنوا تأييدهم للحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر.
وبالرغم من الصمت الذي مارسته السلطات السعودية حيال التقارير الدولية وتقارير وسائل الإعلام المتتالية عن حملة الاعتقالات وأوضاع المعتقلين والاتهامات للسلطات بممارسة التعذيب ضدهم، فإنها ردت على الأخبار عن تعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة ونقل بعضهم للمستشفيات بمقابلات صحفية مثيرة للجدل.
يُشار إلى أن السلطات السعودية شنت في نوفمبر الماضي حملة اعتقالات أخرى طالت أمراء ورجال أعمال اتهمتهم بالفساد، وأودعتهم فندق ريتز كارلتون في الرياض، لكنها أعلنت الشهر الماضي انتهاء قضيتهم، إما بالإفراج عمن عقد اتفاقات معها، أو بإحالة من رفض للمدعي العام، وهو المسار الذي لم يعرفه معتقلو سبتمبر.
وبين ما تعلنه السلطات من “إصلاحات” اجتماعية واقتصادية، والفروق في التعامل بين معتقلي الريتز وسبتمبر.
رفض التطبيع والتخفف من الدين
وقال الباحث والأكاديمي السعودي سعيد بن ناصر الغامدي إن من الأسباب الرئيسية التي دعت السلطات السعودية لسجن الدعاة والعلماء رغبتها في تخفيف الطابع الديني، إضافة إلى مناهضة أولئك العلماء للتطبيع مع إسرائيل.
وكشف الغامدي، أن السبب في سجن العلماء والدعاة يعود إلى رغبة السلطات السعودية الحالية في تخفيف الطابع الديني للمجتمع، لأن السلطات تعتقد أن المجتمع المتدين والمحافظ لا يقبل كثيرا من الملهيات والمغريات والإفساد، إضافة إلى أن الوعي إذا صاحبه تدين تصبح لديه حساسية عالية من قضايا الفساد.
وأضاف الغامدي أن من الأسباب الرئيسية أيضا معارضة تلك النخب للتطبيع مع الصهاينة، مشيرا إلى أن كل فئات الشعب السعودي رافضة للتطبيع إلا ما أسماها “المليشيات الإلكترونية”، مضيفا أن التطبيع لا يقتصر فقط على العلاقات مع الإسرائيليين، وإنما يمتد إلى تجريم المقاومة وسجن الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في المملكة لسنوات طويلة من الداعمين للمقاومة.
وعن خبر إعدام الدعاة سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري الذي سُرِب مؤخرا وتناولته وسائل إعلام مختلفة، قال الغامدي إن تلك التسريبات ليس لها مصدر مؤكد، معتقدا أن السلطات السعودية هي من سربت تلك الأخبار لجس النبض والتمهيد للجريمة، ولإرهاب بقية المشايخ والدعاة، وكذا إشاعة أن هؤلاء مفسدون في الأرض يستحقون الإعدام والقتل.
ورأى أن السلطات إذا تعاملت مع هذه القضية بالحكمة والمنطقة فلا يمكن أن تقدم على ذلك، بل لا يمكن أن تسجنهم، أما إذا كان التعامل بالطيش فإن الطيش ليس له حد ولا عقل.
وأشار الغامدي -الذي يقيم حاليا في لندن- إلى أن سبب محاربة الحكومة السعودية لما يسمى “تيار الصحوة” وفكره يعود إلى تناول ذلك الفكر لمختلف قضايا الأمة والواقع، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بينما يهادن ويقرب النظام السعودي التيارَ السلفي التقليدي لأنه محصور في العقيدة والفقه والمسائل الدينية مع التسليم المطلق للحاكم من غير أي اعتراض إلا بالنصيحة في السر.
وكشف المحامي والناشط السعودي سلطان العبدلي عن تعرضه للتعذيب أثناء سجنه في المدينة المنورة في غرفة باردة للغاية على الرغم من أنه يعاني من مرض الروماتيزم.
وأضاف العبدلي أن العديد تعرضوا أمامه للتعذيب في السجن ذاته، مؤكدا أن العديد من المعتقلين أبلغوه بما جرى لهم من تعذيب وفظاعات.
وأضاف أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قال إن لديه معاييره الخاصة لحقوق الإنسان بعيدا عن المعايير الدولية، وتساءل عن المعايير التي تسمح بالزج بالنساء في السجون واعتقالهن وتعذيبهن والتحرش بهن.
وقال إن أي داعية في السعودية سيكون أمامه خياران، إما إعلان التوبة والانضمام لجوقة شيوخ السلطان، وإما فإن أبواب السجون تنتظره وكذلك مقاصل الإعدام. وأكد أن ولي العهد محمد بن سلمان يحتمي بشركة “بلاك ووتر” خوفا من أسرته بعد أن سجن عددا من أمرائها بدون ذنب ارتكبوه