أعلن مرصد الحقوق والحريات بتونس، صدور حكم جديد عن المحكمة الإدارية يقضي بإلغاء قرار صادر عن وزارة الداخلية بوضع أحد المواطنين قيد الإقامة الجبرية، بحجة أنه يمثل “خطرا على النظام والأمن العامين”.
واعتبر المرصد، في بلاغ له، أنّ هذا القرار جاء ليرسخ فقه قضاء المحكمة الإدارية بخصوص هذا القرار، وليعزز الموقف الرافض لهذا القرار التعسفي غير القانوني منذ انطلاق العمل به في نوفمبر 2015 والمستمر حتى جانفي 2022، ليبلغ عدد المتضررين منه بين 500 و600 مواطن تقريبا.
وحسب الحيثيات التي بني عليها قرار المحكمة بالإلغاء، فإنّ من بين المطاعن الأساسية أن وزارة الداخلية قد “أحالت المعني بالأمر على البطالة القسرية دون أن توفر له الإدارة أدنى الضرورات الحياتية كما ينص عليه الفصل 5 من الأمر المنظم لحالة الطوارئ”.
واكتفت الداخلية في ردودها على المحكمة بتعليل قرارها بأسباب تتعلق بحفظ الأمن والنظام العامين “دون بيانها بصورة دقيقة كافية ومد المحكمة بما يؤيدها رغم مطالبتها بذلك أثناء التحقيق في القضية ودون الإتيان بالمؤيدات ووسائل الإثبات التي تنهض حجة على صحة مأخذها وهو ما يحول دون الاطمئنان إلى ما دفعت به في هذا الخصوص”.
وأضافت المحكمة أنّه “طالما ما بقيت أوراق الملف خالية مما يبين ضرورة اللجوء إلى وضع المعني بالأمر تحت الإقامة الجبرية فإن القرار المٌنتقد يغدو فاقدا لكل أساس واقعي”.
إجراء تعسفي..
الإقامة الجبرية هي إحدى العقوبات المقيدة للحرية، وتفرض عادة ضمن العقوبات الجنائية السياسية أو العقوبات الجناحية السياسية، وتطبقها بعض الأنظمة الاستبدادية بمعزل عن الإطار القانوني.
وتفرض تلك العقوبة -التي يطلق عليها أيضا الاحتجاز والحبس المنزليين – في مقر إقامة الشخص أو في مكان يُخَصص له.
تعرف قوانين بعض الدول عقوبة “الإقامة الجبرية” التي تعوض العقوبة الحبسية بأنها “إلزام المحكوم عليه بعدم مغادرة محلّ إقامة محدد أو نطاق مكاني معيّن”.
وتعرفها قوانين دول أخرى بأنها “إجراء إداري أو تنفيذي يتم بمقتضاه حرمان شخص معين من حريته بدون توجيه اتهامات إليه وذلك لدواع أمنية محضة ضمن إحدى المناطق المشمولة بحالة الطوارئ”.
ووفقا للمعايير الدولية، تعتبر الإقامة الجبرية أحد أشكال الاعتقال وتستلزم ضمانات معينة لاعتبارها قانونية، حتى أثناء حالة الطوارئ.
في تونس، تستند حالة الطوارئ إلى الأمر عدد 50 الصادر عن الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، في 26 جانفي 1978 والخاص بإعلان حالة الطوارئ الذي يحتوي على 12 فصلا، وينص الفصل الخامس على أنه “يمكن لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة، أي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني (من الأمر)، يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق”.
وينص الفصل التاسع على أن كل مخالفة لأحكام هذا الأمر تعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبخطية تتراوح بين ستين (60 د) وألفين وخمسمائة دينار (2500 د) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
ويتيح القانون التونسي، استنادا إلى الدراسة القانونية حول الإقامة الجبرية للكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب الأستاذ المنذر الشارني، لمن صدر ضده قرار في الإقامة الجبرية اللجوء إلى المحكمة الإدارية لطلب إلغائه أو توقيف تنفيذه وفق إجراءات دعاوى الإلغاء.
ويسمح الإجراء بطلب التعويض من الدولة في حال إلغاء القرار لعدم شرعيته ويجب أن تكون آجال النظر في الدعوى معقولة وإلا تطور أكثر من اللازم.
ويحق للشخص المعني الحصول على الإعانة العدلية وفق الإجراءات القانونية المعمول بها.
25 جويلية وما بعدها…
إنّ إجراء الإقامة الجبرية يمتد تنفيذه في تاريخ ما بعد الثورة إلى سنة 2015، حيث تمّ فرض الإقامة الجبرية على 139 شخصا على الأقل، بموجب الأمر الرئاسي الصادر في نوفمبر 2015. فبعد وقت قصير من إعلان حالة الطوارئ الأولى (24 نوفمبر 2015)، صرحت وزارة الداخلية أنها وضعت 139 شخصا تحت الإقامة الجبرية، قائلة إنهم كانوا إما عائدين من “بؤر توتر” أو يشتبه في صلتهم بجماعات متشددة مثل “أنصار الشريعة”، التي صنفتها الحكومة جماعة إرهابية في سبتمبر 2015.
في المقابل، فرض رئيس الجمهورية قيس سعيّد، عقب إعلان إجراءاته الاستثنائية يوم 25 جويلية 2021، منعا من السفر خارج البلاد في حقّ كل الشخصيات العامة وكبار الموظفين والقضاة، وبناء على تعليمات منه، أصدر المكلف بوزارة الداخلية حينها قرارا بوضع 50 شخصيّة عامّة تحت الإقامة الجبرية، وذلك بحجة محاربة “الفاسدين”.
ويوم 1 أكتوبر 2021، أُعلن سعيد تشبثه بقرارات الإقامة الجبرية معللا ذلك بأنه لا يرى فيها مسّا “كاملاً “بحقّ التنقّل… لكن امام ارتفاع الأصوات المنادية برفع هذا الإجراء غير الدستوري، تراجعت سلطة قيس سعيد فتم يوم 10 أكتوبر 2021، رفع قرارات الإقامة الجبرية في حقّ عدد من النواب على غرار النائب زهير مخلوف والنائب يسري الدالي فضلا عن الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد فضلا عن القاضي البشير العكرمي و11 قاض آخرين والوزيران السابقان رياض الموخر (تحيا تونس) وأنور معروف (حركة النهضة).
وبتاريخ 31 ديسمبر 2021 تمّ اعتقال القيادي في حركة النهضة النائب نور الدين البحيري ثمّ أعلنت وزارة الداخلية أنّه وضع قيد الإقامة الجبرية بعد أن رفضت النيابة العمومية إصدار أمر باعتقاله وتعطل “المسار القضائي”.
إذا فوزارة الداخلية وضعت البحيري قيد الإقامة الجبرية لتهديده “الأمن العام” لكنها لا تملك حاليا ملفا قضائيا يمكنها من إحالته على القضاء !!
وفي نفس اليوم وضعت الداخلية إطارا أمنيا هو فتحي البلدي، ذكرت أنه متهم في نفس قضية البحيري.
ويوم 13 جانفي 2022، أعلنت وزارة الداخلية وضع شخصين “لم تسمهما” قيد الإقامة الجبرية لارتباطهم بقضايا إرهابية، قائلة إنّها وضعتهما قيد الإقامة الجبرية “تبعا لتوفّر معلومات مؤكّدة حول شبهة تورّط أشخاص في تهديد خطير للأمن العامّ، اتّضح أنّ أحدهم مشمول بالبحث في ملفّ ذي صبغة إرهابيّة منشور لدى القضاء”.
ووفق مصادر إعلامية الشخصان هما هشام كنو وبلحسن النقاش، من بين قيادات حراك 17-14 جانفي، وتم اعتقالهما قبل يوم من مسيرة 14 جانفي بمناسبة ذكرى الثورة.
وبعد 4 أيام أعلنت الداخلية رفع الإقامة الجبرية عن الشخصين (دون ذكر اسميهما) بعد إحالة ملفيهما إلى النيابة العامة.
وقالت الوزارة في بيان: “تقرر رفع الإقامة الجبرية اعتبارا لإحالة الملف للنيابة العمومية التي أصبحت الجهة المعنية باتخاذ ما تراه في شأنهما من أبحاث تكميلية أو إجراءات تحفظية وغيرها”.
وأضافت: “تم تنفيذ قرارين في الإقامة الجبرية يوم الخميس 13 جانفي 2022، ضد شخصين توفرت معلومات بشأنهما حول شبهة تورطهما في تهديد خطير للأمن العام”.
وذكرت أنه “تبعا لما أذنت به النيابة العمومية لاحقا قامت الوحدة الأمنية المختصة بالبحث في قضايا الإرهاب بإتمام السماعات والأبحاث الأولية”.
إذا يجمع الحقوقيون على إنّ قرار الإقامة الجبرية “تعسفي” وغير قانوني ولا حقوقي، مطالبين بإحالة من تشملهم شبهات إلى القضاء للحسم في ملفاتهم، بينما اضطرت مختلف الحكومات منذ 2015 إلى رفعها دون الحسم قضائيا. فلم وُضعت وعلي أيّ أساس قانوني رُفعت؟