اعتبرت نادية عكاشة مديرة ديوان رئيس الجمهورية السابقة في تدوينة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، صباح اليوم أنّه تمّ الاستيلاء على مسار 25 جويلية بقبل من وصفتهم بـ ”من لا شرف ولا دين ولا وطنية له ومن قبل زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئا غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل”، وفق ما جاء في نصّ التدوينة.
وشدّدت عكاشة في المقابل على أهمية “لحظة 25 جويلية”، مشيرة إلى أنّها ”عملت أن تكون قطعا تاما مع العفن السياسي الذي سبقها والفساد الذي نخر مؤسسات الدولة والتهاون بحقوق التونسيات والتونسيين وحتى بأرواحهم”، ولكن ذلك لم يتسن بسبب ما قالت إنّه سطو على تلك اللحظة، وفق تعبيرها.
ودوّنت عكاشة قائلة “كان من المفروض أن يقوم (مسار 25 جويلية) على منهجية واضحة وعلى تمشي ديمقراطي جامع وعلى أسس ثابتة لبناء دولة القانون التي تحترم فيها الحريات والمؤسسات ولكن للأسف تم الاستيلاء على هذه اللحظة وعلى هذا المسار من قبل من لا شرف ولا دين ولا وطنية له ومن قبل زمرة من الفاشلين الذين لا يفقهون شيئا غير احتراف الابتذال والتشويه والتضليل. “
واعتبرت عكاشة أنّ تونس تشهد أزمة سياسية خانقة أصبحت تمثل خطرا داهما وجاثما لم تشهد له مثيلا في تاريخها الحديث، وفق تعبيرها.
كما أشارت إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد وتعثّرها في ايجاد برنامج اصلاح اقتصادي جدي وواضح ومبني على معطيات صحيحة يمكننا من مناقشة اتفاق مع صندوق النقد الدولي”.
الكواليس تتأكد
قدمت نادية عكاشة استقالتها من منصب مديرة ديوان الرئاسة يوم 24 جانفي 2022، ولم تكشف حينها عن دواعي استقالتها، فقد اكتفت عكاشة بتدوينة مقتضبة في صفحتها الرسمية على “الفيس بوك”، ذكرت فيها أن سبب استقالتها يعود إلى “اختلاف وجهات النظر”.
وأضافت “لقد كان لي شرف العمل من أجل المصلحة العليا للوطن من موقعي بما توفّر لدي من جهدٍ إلى جانب السيد رئيس الجمهورية، لكنني اليوم، وأمام وجود اختلافات جوهرية في وجهات النظر المتعلّقة بهذه المصلحة الفضلى، أرى من واجبي الانسحاب من منصبي كمديرة للديوان الرئاسي متمنية التوفيق للجميع وداعية الله أن يحمي هذا الوطن من كل سوء”.
إلى ذلك، يبدو أنّ تدوينتها اليوم تؤكد ما ذهبت إليه بعض التسريبات، حينها، حيث ذهب العديد من المحللين إلى ترجيح روايات مختلفة، تقوم الأولى على أنّ “معركة الشقوق في قصر قرطاج” أودت بمهام نادية عكاشة فألقت بها خارج القصر، مقابل انتصار شق وزير الداخلية توفيق شرف الدين (عبارة من لا شرف ولا دين له أحالت عليه).
ذلك أنّه قبل أشهر من استقالة عكاشة راجت كواليس متطابقة من القصر، تفيد بأنّ هناك اختلاف كبير وصراع بين “جناح عكاشة” و”جناح شرف الدين”، خاصة بعد إقالة 6 أمنيين كبار وإجبارهم على التقاعد الوجوبي إضافة إلى خلاف بشأن إحالة عدد كبير من الأشخاص والسياسيين على القضاء.
وهذا ما أكّدته وكالة “رويترز”، حيث نقلت عن مصدر سياسي، لم تذكر اسمه، أنّ الخلاف الذي أدّى إلى إعلان استقالة نادية عكاشة مديرة الديوان الرئاسي يعود إلى دعم قيس سعيد لقرار وزير داخليته بإحالة ست قيادات أمنية كبرى، من بينها رئيس سابق لجهاز “المصالح المختصة”، إلى التقاعد الوجوبي.
وفي الشهرين السابقين للاستقالة أُعلن في مناسبتين عن إحالة قيادات أمنية على التقاعد الوجوبي، تم تسريب أسماء، منها مديرون عامون سابقون للأمن الوطني وللحرس الوطني ولإدارات حساسة بمختلف الأجهزة.
وفي أكتوبر 2021، برز أوّل صراع بين عكاشة والأمنيين، ذلك أنّه في 27 أكتوبر 2021، أفادت النقابة الأساسية بإقليم الأمن الوطني بقرطاج، التابعة لنقابة موظفي الإدارة العامة للأمن العمومي، بأنّ أعوانا من الشرطة، في حمام الأنف، تعرضوا إلى اعتداء من قبل شقيق نادية عكاشة مديرة ديوان رئاسة الجمهورية التي تدخلت لفائدته عندما وقع جلبه إلى مقر منطقة الأمن ونقل في سيارة تابعة لرئاسة إلى المستشفى العسكري.
واعتبرت النقابة في تدوينة نشرت على صفحتها الرسمية أنّ “سلوك نادية عكاشة يذكّر بتصرفات أصهار الرئيس زين العابدين بن علي قبل الثورة، ودعت النقابة الأساسية منظوريها إلى التضامن مع زميلهم الذي تلقى استدعاء لاستجوابه في تفقدية الأمن”.
وساند أمين عام التيار الديمقراطي غازي الشواشي “رواية صراع الأجنحة”، حيث صرّح لقناة التاسعة قائلا “ما أعرفه في الكواليس أن هناك شقّين داخل قرطاج، شقّ نادية عكاشة وشقّ وزير الداخلية توفيق شرف الدين”، ملمّحا إلى أن تكون الاختلافات التي أشارت إليها عكاشة في تدوينتها في علاقة بشقّ شرف الدين، حسب تصوره.
وإنّ رواية “صراع النفوذ” تعود إلى نهاية سنة 2019، وتحديدا الأسابيع التي سبقت تشكيل حكومة ما بعد 25 جويلية، حين طرحت أسماء شرف الدين وعكاشة بقوة لقيادة الحكومة الجديدة، ليختار سعيد الحفاظ على توازن القوى من خلال تعيين نجلاء بودن، كما حاول إرضاء الطرفين، وخصوصاً شرف الدين الذي أعاده على رأس الداخلية بعد 9 أشهر من عزله.
عرابة الانقلاب تعترف
إذا فالوقائع أكّدت أنّ “25 جويلية” لم يكن إلا انقلابا على المسار الديمقراطي في تونس ومؤسسات الدولة القائمة، ثمّ تجميع السلطات لفائدة الحكم الفرديّ، وذلك باعتراف من عرابته نادية عكاشة التي كانت قبل استقالتها “سيدة قرطاج الأولى”، فقد تعدى دورها في قصر قرطاج منصبها الإداري كمستشارة للشؤون القانونية ثمّ مدير ديوان رئيس الجمهورية، إلى “تحديد سياسات الدولة الداخلية والخارجية”.
فالإعلامي بقناة الجزيرة محمد كريشان، أكد في مقال له في شهر فيفري 2021، أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد لا يفعل إلا ما يراه هو دون توجيه أو نصح، مضيفا أن “مديرة ديوانه الآتية إلى عالم المسؤوليات الأولى في الدولة، دون تجربة لا في السياسة ولا في الإعلام، هي المهندسة الحقيقية لظهوره الإعلامي وبالتالي فهي مسؤولة كذلك عن عثراته المتكررة”.
وأضاف كريشان في مقال له انتقد فيه الفيديو الذي ظهر فيه رئيس الجمهورية وهو يرسل رسالة إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي والذي حذف من صفحة رئاسة الجمهورية.
وكان موقع “ميدل إيست آي” البريطاني نشر وثيقة قال إنها مسربة من مكتب مديرة الديوان يعود تاريخها إلى 13 ماي 2021، وتتحدث عن تدبير انقلاب واعتقال أهم المسؤولين في تونس.
وقد تأكدت صحة عديد الوقائع المذكورة في الوثيقة يوم 25 جويلية وما بعده من إجراءات استثنائية.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة “جون افريك” الفرنسية، في جويلية الماضي، تتحكّم عكاشة “بكل شيء في قصر قرطاج، حيث لا يحصل شيء دون علمها”، كما أنها “أقصت كل الشخصيات التي كانت عثرة في طريقها”، في إشارة إلى الاستقالات المتواترة من ديوان الرئاسة، منذ بداية سنة 2020.
وتداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي “وثيقة”، في ديسمبر الماضي، قالت إنها مسربة من أرشيف المخابرات المصرية، وتتحدث عن “مؤامرة بتخطيط مصري وتمويل إماراتي وتنفيذ تونسي لإسقاط التجربة الديمقراطية في تونس”، وذلك تحت عنوان “المراسلة الموجهة من مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة إلى الادارة العامة للمخابرات الحربية المصرية بخصوص خارطة طريق لما كان يعد ليوم 25 جويلية 2021 بتونس”.
وتشير الوثيقة، وهي عبارة عن رسالة موجهة من مدير المخابرات المصرية عباس كامل إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتاريخ 11 أفريل 2021، إلى اجتماع في القاهرة ضم كلا من عباس كامل ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ووزير الخارجية عثمان الجرندي، ومديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة، ومستشار الرئيس وليد الحجام، والنائب عن الحزب الدستوري الحر مجدي بوذينة، إضافة إلى عبد الخالق عبد الله مستشار ولي عهد أبو ظبي.
وتناول الاجتماع الوضع في تونس، حيث تم الاتفاق على خطة تتعلق بإزاحة الإسلاميين ممثلين أساسا بحركة النهضة من المشهد السياسي، على أن يقوم الرئيس قيس سعيد بإعلان تدابير تتعلق بحل البرلمان واسترجاع الدولة من العابثين”.
وأبدى الجانب المصري استعداده لأي دعم لوجستي للخطة، فيما أعلن الجانب الإماراتي استعداده لتمويل هذه الخطة وتبعاتها.
وفي عام 2021 اتهمها النائب راشد الخياري بمساعدة السفير الفرنسي السابق على التدخل في الشأن السياسي التونسي، وسرب الخياري في أفريل الماضي مجموعة من التسجيلات جمعت عكاشة والمحامية مايا القصوري.
التسريبات أشارت إلى دور السفير الفرنسي السابق في تونس في مشاورات من سيخلف إلياس الفخفاخ على رأس الحكومة، وذلك بإزاحة الفخفاخ والاتيان بهشام المشيشي.
إذا من سينقذ تونس من الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي ألقيت فيها؟ ومتى تتخلص من الفردانية الجاثمة على مسارها؟ ومتى تنعتق من حرب الشقوق؟