تعلو اليوم أصوات نساء و أشباه رجال احتجاجا على موقف النائب محمد العفاس من صورة المرأة التي فرضتها الحداثة المزيفة في تونس دون أن نسمع لهم حسا حول تلك الصورة المهينة و الوضيعة في المسلسلات والأفلام التونسية.
وعادت بي الذاكرة في خضم هذا الجدال إلى منبر حوار أقيم في صفاقس في شهر فيفري 2010 تحت عنوان “صورة المرأة في مسلسلاتنا التونسية حضرت فيه المخرجة التونسية سلمى بكار والممثلات وحيدة الدريدي ومنيرة الزكراوي و ريم البنة وسط جمهور مكثف لمثقفي الجهة.
وقد مني هذا المنبر بفشل ذريع بسبب إثارة الصورة المهينة للمرأة في المسلسلات التونسية و اختلفت حولها الآراء وتضاربت لغاية النرفزة ومغادرة أغلب الجمهور القاعة سخطا على آراء بعض الممثلات اللاتي تباهين بالعري في المسلسلات و الأفلام بحجة تعرية واقع المجتمع.
وقد تمسك الجهمور الذي بقي في القاعة بضرورة إيجاد صورة المرأة النظيفة في المشهد التلفزي قائلين بأن التعري هو بدعة العصر بينما تشددت الممثلات واستمتن في الدفاع عن رؤيتهن مؤكدات أن التعري ضرورة ولا بد منه.
فالمخرجة سلمى بكار قالت على المشاهد ان يكون متهيئا لرؤية مشاهد مغايرة لما يعتقده أو يؤمن به دون إحساس منها بالإهانة التي ألحقوها بالمرأة التونسية حتى اصبح اشقاؤنا في البلدان العربية يعتقدن ان أغلب النساء التونسيات على تلك الصورة من المجون والانحلال الاخلاقي.
أما الممثلة وحيدة الدريدي التي كانت فكرة الدفاع عن العري مسيطرة على كلامها ومعتبرة أن العري جانب من جوانب الإبداع فقد تساءلت :لم يقبل المجتمع المرأة كمعلمة ويرفضها كراقصة؟.
اما الممثلة ريم البنا فقد كانت ملتصقة بسلمى بكار باحثة عن الامن عندها خوفا من نقدها في فيلم الدواحة الذي به مشاهد كيبرة من العري والشذوذ لذلك تعجلت سلمى بكار لتكون لسان دفاع عن ريم البنا قائلة ان التمثيل مهنة لها حرفيتها وطقوسها وكل ممثل يتحمل مسؤولية اختياراته مادام مقتنعا به و اكدت حرفيا : ” أدافع عن زميلتي رغم أن شريط ” الدواحة ” لم يعجبني لأسباب أخرى غير مسألة العري”.
وقبل ان ان أبدي رأيي في مسالة العري في المسلسلات وصورة المرأة المهينة فيها سأقف على أسباب فشلنا في إدارة الحوارات في مثل هذه التظاهرات الثقافية أو في اي فضاء آخر كفضاء الفايسبوك وصولا إلى ما نتابغه اليوم تحت قبة البرلمان.
وحسب رأيي فإن أزمة الحوار هذه ناتجة عن الانقسام الحاد الذي أصبح عليه مثقفو و افراد المجتمع عامة بين محافظ على ثقافتنا الإسلامية – العربية وبين متبن لثقافة الغرب التي غزتنا منذ عقود عبر مناهج التعليم ووسائل الإعلام و وسائل الاتصال الحديثة والمشهد الثقافي ككل ليصبح الفريق الأول متخوفا من أن يرمى بالتخلف والتشدد والإنغلاق والفريق الثاني بالإنحلال والفساد الأخلاقي والتبعية للغرب والتقليد الأعمى له فيكون منطلق الحوار بينهما من خلال هذا التخوف ومن ثم تتشنج الأعصاب فيفقد الحوار آدابه وثقافته و أخلاقياته ..وفي الغالب يكون الشق المنسلخ عن الهوية الإسلامية هو المثير للفوضى في الحوار لقناعة داخلية أن ما يؤمن به هو الباطل فيحاول ان يفرضه بالقوة لجر غيره الى خندقه ليستأنس بالمعاصي وتصبح عادة في المجتمع فيرتاح نفسيا أو هكذا يخيل له.
أما النقطة التي أود الوقوف عليها فهي موضوع منبر الحوار هذا وهو صورة المرأة في مسلسلاتنا التونسية …فالمرأة في هذه المسلسلات إما تلك الريفية الساذجة ومحل تهكم الجميع من لهجتها او سلوكها أو الأم المتخلية عن دورها أو البنت المنحلة والمتحدية لوالديها أو الزوجة التي تمارس العنف أو الممارس ضدها او تلك العشيقة التي ترمى بعد علاقة محرمة …وهي كلها صورة تسيء للمرأة المسلمة العربية …زد على هذا ذلك العري الذي فرضوه على الممثلات وزاد المرأة انحطاطا ويراه البعض ضروريا إما لإعطاء المجال للإبداع ولا أدري ما علاقة العري بالإبداع و إما بحجة تعرية واقع وشرائح المجتمع.من خلال عري الجسد.
فإذا كان لا بد من تعرية الممثلة لتعرية واقع المجتمع و أفراده كما يتحجج البعض فلماذا لا يقدم من خلال هذا العري إلا النموذج السيء للمرأة؟ فأين المرأة الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان كحقه في الكلمة الحرة… و أين المتبنية لقضايا الأمة والرافضة للتطبيع مع الصهاينة والمقاومة للاحتلال ؟واين المرأة المحافظة على حجابها والتي تربي أبنائها على قيم هويتنا الاسلامية؟ فهل خلا مجتمعنا من هذه المرأة ؟ فهل عمى بصرهم كعمي بصيرتهم على رؤية هذه الأصناف ؟فلماذا لم يبرز هذا الصنف من النساء من خلال عري الجسد في المسلسلات والذي قيل أن من بين مقاصده تعرية شرائح المجتمع وكل ما ومن فيه؟.
أسئلة لن أجد طبعا عنها الإجابة المقنعة ممن يرون الحرية في العري وفي ممارسة كل ما نهانا عنه الله بحجة التحرر والتقدم ويكون عليهم ان يقولوا بكل شجاعة ما نهانا عنه الله لا يلزمنا والحرية عندنا هي أن نعيش بشهواتنا وقناعاتنا …وإن تلك الصورة المسيئة للمرأة في أعمال الحداثيين المزيفين المراد منها أن تصبح نساء تونس كلهن على تلك الصورة…فهم لا يعرون واقع المجتمع كما يزعمون بل يخططون ليصبح المجتمع منحلا اخلاقيا من حلال تلك الاعمال الفنية ..وما تكرر تقرر في النفوس وتطبع والدليل أنهم بعد الثورة عملوا على رفض شريط الصراع للمخرج منصف بربوش..فهل هذا الشريط لا يعري واقع المجتمع ويخلد للتاريخ فترة حكم مستبد صفق له من صفق وزغرد له من زغرد؟ .
ختاما…
أرجو من بعض نساء تونس أن لا يتحدثن باسمي بمطالبتهن النائب محمد العفاس بالاعتذار من نساء تونس ..فلن أسمح بمقارنتي بمن تصفق لمسؤول وتزغرد امامه وتهتف له ” الله أحد و ما كيفك حد” ..هذه حقارة ووضاعة للمرأة التونسية الحرة .. فأنا كامرأة أتبنى كل ما قاله الدكتور العفاس ولا أنتظر من يحدد لي حريتي …فالأنظمة و الرجال الذين عاشوا عبيدا للغرب وفي سلاسل أسيادهم والنساء التابعات لهم هم آخر من يتكلم عن الحرية.