تزامن افتتاح السنة البرلمانية الثانية لمجلس نواب الشعب، مطلع شهر أكتوبر الجاري، مع مرور سنة على إجراء الانتخابات التشريعية في السادس من أكتوبر من العام الماضي 2019، وهو ما يدعو إلى الوقوف على أهم ما أُنجز على مستوى البرلمان بعد مرور عام على انتخابه، وما ينتظره من مسؤوليات خلال سنته الجديدة.
سنة برلمانية أولى لم تحمل في طيّاتها كثيرا من الإنجازات لما شهده البرلمان من خلافات ومشاحنات، تُضاف إليها التعطيلات التي تسبّبت بها الجائحة الصحّية، ما جعل كبرى الأولويات المطروحة على المؤسسة التشريعية تُرحّل إلى السنة البرلمانية الجديدة.
المصادقة على 42 قانونا:
بالرغم من التحديات التي واجهها البرلمان خلال الدورة البرلمانية الأولى إلا أنّه تمكّن من المصادقة على 42 قانونا من أبرزها قانون يتعلّق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وقانون يتعلق بالتمويل التشاركي، وقانون يتعلق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي، إلى جانب عقد عقد 51 جلسة عامة منها 6 جلسات في إطار خلية الأزمة حول الوضع الصحّي، فيما عقدت اللجان التشريعية والخاصة 450 اجتماعا.
وقد حافظ المجلس على عمله الرقابي إذ عقد 16 جلسة رقابية وتوجه النواب للحكومة بـ 77 سؤالا شفاهيا، و1206 سؤالا كتابيا، وقاموا بـ 29 زيارة ميدانية، بالإضافة إلى المجهود اليومي الذي بذله النواب في جهاتهم وبالخارج.
ومع إقرار الحجر الصّحي الشامل لمدّة ثلاثة أشهر (من شهر مارس وحتى شهر ماي 2020 ) نجح البرلمان في العمل عن بعد، والمصادقة على عدد من مشاريع القوانين الهامّة، أهمّها المصادقة على القانون عدد 19 لسنة 2020 المتعلق بالتفويض إلى رئيس الحكومة في إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا.
مشاريع اقتصادية ومالية
كما تميّزت الدّورة البرلمانيّة الأولى بالمصادقة على مجموعة من مشاريع القوانين الاقتصاديّة الماليّة، إذ تمّ منذ انطلاق عمل المجلس، في 13 نوفمبر 2019، المصادقة على جملة من المشاريع ذات صبغة ماليّة تتمثّل في قروض وتعهّدات ماليّة وكان عددها 11 قانونا.
وصادق المجلس، أيضا، على مشاريع ذات صبغة تنمويّة وفي علاقة بالميزانيّة ومشاريع قوانين تهم العلاقات الخارجيّة والتعاون الدّولي وكذلك مشاريع قوانين تهم قطاع الفلاحة والصّيد البحري.
مشاحنات وحرب لوائح
خلال الدورة البرلمانية الأولى، لم يعرف المجلس هدوءًا، بسبب ما أثارته كتلة الحزب الدستوري الحرّ من صدامات وخلافات مع أغلب الكتل البرلمانية، وتنفيذ أعضائها لإعتصامين تحت قبته للمطالبة بالاعتذار لهم بعد مشادات كلامية مع نواب من كتلتي النهضة وائتلاف الكرامة، ما تسبّب في شلّ السير العادي للعمل التشريعي والنيابي، وعطّل جلسات مخصصة لمشاريع قوانين هامة ولانتخاب أعضاء المحكمة الدستورية.
الجدل الذي خلقته كتلة الدستوري داخل البرلمان، لم ينته عند تنفيذ اعتصامات وتعطيل جلسات واقتحام مكتب رئيس ديوان رئيس المجلس، بل تطوّرت إلى ما عُرف بـ “حرب اللوائح”، إذ شهد البرلمان تقديم عدد من اللوائح، من بينها لائحة تقدمت بها كتلة الدستوري تتعلق بإعلان “رفض البرلمان للتدخل الخارجي في الشقيقة ليبيا ومناهضته لتشكيل قاعدة لوجستية داخل التراب التونسي”، وقد قوبلت هذه اللائحة بالرّفض.
كما قدّمت الكتلة نفسها لائحة ثانية تهدف إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظّمة إرهابيّة، لكنها رُفضت شكلا ومضمونا من قبل مكتب البرلمان ولم تُعرض على الجلسة العامة.
في المقابل، قدّمت كتلة ائتلاف الكرامة لائحة من أجل “مطالبة الدولة الفرنسيّة بالاعتذار للشعب التونسي عن جرائمها في حقبة الاستعمار المباشر”، وأسقطت هذه اللائحة بالجلسة العامة.
كما تقدّمت أربع كتل (الكتلة الديمقراطية وكتلة الإصلاح والكتلة الوطنية وكتلة تحيا تونس) بلائحة ثالثة تهدف إلى سحب الثقة من رئيس المجلس راشد الغنوشي بسبب ما اعتبروه “فشل الغنوشي في تسيير البرلمان وتسببه في احتقان الأجواء داخله”، لكن هذه اللائحة لاقت مصير باقي اللوائح وقُوبلت بالرفض.
تركة ثقيلة
تركة ثقيلة رحّلتها السنة الأولى للدورة البرلمانية الثانية، فأمام البرلمان جملة من التحديات لعلّ أبرزها انتخاب الهيئات الدستورية التي طال انتظار إرسائها وعلى رأسها المحكمة الدستورية التي تعطّل إحداثها لأكثر من خمس سنوات، والهيئة الوطنية للحوكمة ومكافحة الفساد وهيئة الاتصال السمعي البصري.
وقد استهل البرلمان دورته البرلمانيّة الثانية يوم 2 أكتوبر الجاري، بإجراء حوار مع أعضاء من الحكومة حول الوضع الصحي والاجتماعي والتربوي في البلاد والإجراءات المتخذة للحد من مخاطر انتشار فيروس كوفيد 19، بحضور كل من وزراء الصحة، والشؤون الاجتماعية، والشباب والرياضة والإدماج المهني، والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي.
كما صادق المجلس، الأسبوع المنقضي، في جلسة عامّة، على مشروع قرار يتعلق بإقرار إجراءات استثنائية لعمل مجلس نواب الشعب، بسبب فيروس كورونا، وتنصّ هذه الإجراءات على إقرار آجال دنيا استثنائية من طرف مكتب المجلس تسمح بسرعة النظر في مشروع أو مقترح قانون صلب اللجنة أو في الجلسة العامة التي يُمكن لرئيس المجلس اختصار آجال الدعوة لعقدها.
ولن يتوقف انطلاق الجلسات العامة على توفر النصاب المحدد في النظام الداخلي للبرلمان، حيث يقترح مشروع القرار أن تنطلق الجلسة العامة في موعدها المحدد بمن حضر من النواب مع إمكانية إقرار مدّة وصيغة مختصرة للنقاش في الجلسات العامة من طرف مكتب مجلس نواب الشعب كإجراء استثنائي يُرفع كغيره من الإجراءات التي سيتوجه لاعتمادها البرلمان مع انتفاء دواعيها.
يشار أن الجلسة العامة لمجلس النواب صادقت في 26 مارس الماضي، على قرار يتضمن إجراءات استثنائية للعمل البرلماني خلال فترة الحجر الصحي العام وفي منتصف ماي 2020 قررت الجلسة العامة التخفيف في تلك الإجراءات ليقع رفعها كليا والعودة إلى العمل وفق التدابير العادية في نهاية جوان الماضي.
رزنامة تقديرية
مع بداية السنة البرلمانية الجديدة، ضبط مكتب المجلس رزنامة تقديرية للعمل التشريعي والرقابي طيلة شهر أكتوبر الحالي حدد خلالها أولويات عمله التشريعي والرقابي .
وتضمنت هذه الرزنامة في إطار برمجة العمل التشريعي أولوية النظر في عدد من مشاريع القوانين الهامة وفي مقدمتها كل من مشروع قانون أساسي عدد 39 لسنة 2018 ومقترح قانون عدد 44 لسنة 2020 يتعلق كلاهما بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 50 لسنة 2015 المؤرّخ في 03 ديسمبر 2015 المتعلّق بالمحكمة الدستوريّة.
وقد تم إتمام النقاش حول المشروعين، يوم 6 أكتوبر الجاري، وتعطّل التصويت عليهما بسبب غياب توافقات حول التعديلات، وعدم توفّر النصاب واضطراب سير العمل بسبب الوضع الصحّي بعد إصابة عدد من النواب بفيروس كورونا.
كما برمج المجلس أن يناقش، خلال شهر أكتوبر، مشروع قانون متعلّق بإصدار مجلّة مؤسّسات الاستثمار الجماعي، ومشروع قانون يتعلّق بتنظيم حالة الطوارئ ومشروع القانون المتعلق بزجر الاعتداء على القوات المسلّحة، لكن تم إرجاء النظر في المشروعين الأخيرين بطلب من رئيس الحكومة هشام المشيشي بعد ما عرفه قانون زجر الاعتداءات من احتجاجات رافضة له، نظمها نشطاء قبالة البرلمان، الأسبوع الماضي.
ومن المتوقع أن ينطلق المجلس أواخر الشهر الجاري في النظر في أبواب الميزانية وقانون المالية.
كما انطلق البرلمان في ضبط حصص الكتل في اللجان والمسؤوليات، على أن يجتمع المكتب ورؤساء الكتل، منتصف الشهر الحالي، لتوزيع العضوية والمسؤوليات بالهياكل. ومن المتوقع الإعلان عن تركيبة هياكل المجلس يوم 16 أكتوبر، والشروع في تنصيب اللجان.