الرئيس قيس سعيّد عنصر الإرباك الأخطر للتجربة والأداة الأشدّ استهدافا للدولة ووحدتها واستمرارها من داخل مؤسسات الدولة وفي أعلى المسؤوليات.
تخلّى عن كلّ ما ضبطه له الدستور من صلاحيات في الأمن القومي وتوحيد التوانسة وتمثيلهم والدبلوماسية الاقتصادية وسياسة خارجية تحقق مصالح تونس وتدعم سيادتها واستقلالها.
لم يكف عن استدراج المؤسسة الأمنية والعسكرية إلى دائرة التجاذب السياسي، ويمعن في خرق الدستور وإثارة مسائل قانونية جانبية تافهة لا يتقن غيرها. ويجعل منها أولوية البلاد.
عبث رئيس الجمهورية في أعلى مؤسسة من مؤسسات الدولة يمثل واجتماع مجلس الامن القومي أمس صورة من صور الشعبوية الهدامة. وهي أخطر ما يهدّد اختيار الناس الحر وسعيهم إلى العيش الكريم المشترك.
شعبوية قيس سعيّد تجد دعما من القوى الوظيفية القديمة التي قطعت الطريق والجديدة التي دعت إلى الانقلاب على الاختيار الشعبي الحر.
وهناك من لا يخجل من هذه الوظيفية (في الإعلام خاصة) بالتركيز على ” لؤم المشيشي” أمام كرم سعيّد الذي اختاره لتشكيل الحكومة، وكأنّ الأمر شخصي لا علاقة له بالدستور الذي يحصر مهمة الرئيس في التكليف، ويقف عادي. إذ لا علاقة له بتشكيل الحكومة. حتّى الخارجية والدفاع يعيّنهما رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
ومن هذه الوظيفية أسفٌ على تردّد قيس سعيّد في الانقلاب، وعجزه عن “ضربة معلم” تُخلّصُنا من الخوانجية وتفتح مرحلة ليبرالية نسوا أن يفتحوها مع بن علي 23 عاما منين كان أغلبهم يخدموا عنده بوليس سياسي، وفي لجان تفكير التجمّع الفاشي، وحتى أمناء عامين مساعدين فيه (زهير الذوادي أحد مؤسسي الوطد)، ووزراء في حكومات بن علي زاده.
لم يتغيّر المشهد اليوم عمّا كان عليه الوضع فيما قبل الثورة: فالفاشية والشعبوية والوظيفية كلها تعبيرات متحولة عن مكونات كانت في نظام بن علي وفي مرحلة الاستبداد.
الأمر الوحيد الذي انضاف هو معطى الحريّة المعمّدة بدماء الشهداء بعد كسر الاستبداد وإذلاله. وأمكن، تحت سقفها، صياغة دستور وبناء منظومة ديمقراطية ونظام سياسي جديد، وهذه جميعها مهددة بهذا الثالوث (الفاشية، الشعبوية، الوظيفية) في ظل أزمة مالية اقتصادية صحيّة متفاقمة.
عند عودة المنظومة في 2014، وعند تسليم المهام في رئاسة الجمهوريّة قلنا لبعضهم: بمنطق الانتخابات الديمقراطية أنتم الحكم ونحن المعارضة، ولكن بمنطق المشروع الوطني أنتم دائما في المعارضة، حتى وإن كنتم في السلطة، إلى أن تلتحقوا بالمشروع الوطني ومشتركاته الرحبة.
فأنتم في “اختبار ديمقراطي” وتحت سقف المنظومة الديمقراطية التي بنينا رغم مساعي العرقلة منكم وممّن قطع لكم الطريق وأكل معكم الروز.
سيُسأل: من أنتم؟
والجواب: نحن كلّ من التزم بمرجعيّة الثورة والدستور وبالنظام السياسي الجديد وبالانتخابات الحرة ونتائجها السياسية وبالديمقراطية وقواعدها وبأولوية استكمال مسارها وبناء مؤسساتها.
بقلم: زهير اسماعيل