”أن تصل متأخرًا أفضل من أن لا تصل أبدًا”
في الوقت الذي تشير فيه كل التقارير الإقتصادية والصحية الدوليّة إلى خطورة الوضع في بلادنا ووقوفها على حافة الإفلاس إن لم تتوفّر جهود التدارك والإصلاح، تتطلّع المكونات السياسية، أحزابا وكتلا ومنظمات مسيسة، مشرئبّة الأعناق إلى اللحظة الإنتخابية 2024، وكأنها ستأتي منفردة دون جهد.
وبالرغم من أن الوعود الإنتخابية التي سُوّق لها في 2019، ظلت إلى حد الآن في مهب الريح، إلا أن البعض مصرّ على صناعة الأمل المستحيل عبر برامج جديدة أخرى لن تتحقّق كسابقاتها بسبب تواصل تشتت المنظومة الحزبيّة وانعدام الإستقرار الحكومي وضبابيّة الرؤية على مستوى قصر قرطاج.
أحزاب مشتّتة.. وإرادة مؤجّلة
في الواقع تبدو الأحزاب السياسية التونسية بعيدة كل البعد عن انشغالات التونسيين الذين طالت إنتظاراتهم لتجسيم إرادتهم التي عبروا عنها عبر صندوق انتخابات أكتوبر 2019، بعد الخيبات المتكرّرة، لكنّ الطبقة السياسية اختارت الانشغال بحساباتها الذاتية وحسابات التموقع.
حركة النهضة، الحزب الأوّل شعبيا وبرلمانيّا، منهمكة بشؤونها الداخلية خاصة بمن سيتزعمها مستقبلا ومنشغلة بصعود أصوات خلقت نشازًا لا يخدم الحركة قاعديا وسياسيا.
قلب تونس، الحزب الثاني شعبيا وبرلمانيّا، بقي حبيس الملفات القضائية لرئيسه نبيل القروي، فيما يشير مراقبون أن هذا الحزب ما لم يتحرّر من رئيسه فإنّ مآله سيكون على خطى نداء تونس، وُلد كبيرا لينتهي صغيرا.
إئتلاف الكرامة، رغم توسّع شعبيته أكثر، يبدو أنه لم ينضج بعد ليصبح تعبيرةً سياسيّة مكتملة ومتوازنة، وقد يكون هذا طبيعيّا بالنظر إلى عمره كمكوّن سياسي. ويبدو أن الكرامة يحتاج أيضا إلى لحظة تحرّر من نمط الخطاب السّائد ليصبح أكثر جديّة.
التيار الديمقراطي وحركة الشعب، وفق نتائج سبر الآراء تتراجع شعبيتهما خاصة بعد سقوط حكومة الفخفاخ التي ورّطت الحزبين في التبرير للفساد الواضح، مما كشف تمسّكهما بالحكم دون إنجاز يذكر.
الحزب الدستوري الحر ما انفك يحدث ضجيجا برلمانيا وسياسيا لكن قدراته تبقى محدودة بتمثيليته البرلمانية الضئيلة التي تقف عند مستوى 16 نائبا، وبعدائيته لكلّ الأطراف وانعزاله في زاوية الفوضى والبلطجة.
تحيا تونس هو ما تبقى من نداء تونس، حزب الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، بقيت طموحاته أكبر من حجمه التمثيلي ب 10 نواب في البرلمان وبحزب مفرغٍ من قياداته.
توجّه غامض وإستماتة في فرضه على أرض الواقع
بقي توجه رئيس الجمهورية قيس سعيّد لبسا لم تتم فك شيفراته إلى حد اللحظة غير بعض الملامح التي يلقيها قيس سعيد في خطاباته بالحديث عن عدم جدارة المنظومة الحالية وضرورة التغيير، وعبر التباعد المعلن بين قرطاج والقصبة وباردو الذي يفسره البعض بأنه نتاج لعدم إيمان ساكن قرطاج بمنطق الأحزاب ونظام الحكم البرلماني المعدّل الحالي.
لكنّ ساكن قرطاج يخيّر إلى الآن عدم طرح مشروعه الغامض على التونسيين والتونسيات وعلى مكونات هذا البلد، وكأنه يستبق عدم إمكانية المرور إلى رؤيته ومشروعه.
فهل يبقى الوضع التونسي على ماهو عليه من تخبّط إلى أن يلتفت سياسيّيوها إلى بوصلة الإرادة الشعبيّة؟
أم هل يختار الشارع التونسي التوغّل في الغموض على انتظار حلّ لن يأتي؟