الكاتب: نجـوى الـذوادي
قضية فلسطين، قضيّة الأمّة التي لم تحظ أيّ قضية غيرها بالقدر الذي حظيت به من المتابعة والاهتمام والشدّ والجذب و كل أنواع الاختلاف والجدال على طاولة الجامعة العربية منذ إعلانها سنة 1946 وصولا إلى قمة تونس في 2019.
وعلى الرغم من أهميّتها و تصدّرها جدول أعمال كلّ القمم العربية لم تفز ولو مرّة بالنجاح و السير الواثق على مسار التحرير واسترداد الحقوق المسلوبة واسترجاع أراضيها المغتصبة حتّى أنّ كلّ القمم لم تنتهي بالتجانس مع القرارات الدولية ومخرجات قمم الأمم المتحدة وتوصياتها وكانت كلّ مخرجات قمم الجامعة العربية بالهزيلة والفضفاضة حتى انّها وصفت بأنها ذرّ رماد على العيون ومماطلة إزاء الحق الفلسطيني المشروع الذي ظلّ إلى اليوم حبرا على ورق وأملا لم يخفت في قلوب الفلسطينيين.
ومقابل هذا الضعف والتراخي، لم تخرج الجامعة العربية عن دائرة حملات السخرية و التنديد والغضب وصلت حدّ المناداة بحلّها بعد التشكيك في جدّيتها في الخروج بحلّ للقضية الفلسطينية و في مقدمتها تأسيس دولة وطنية مستقلة واعتبار القدس الشرقية عاصمة لفلسطين ، وعودة اللاجئين، نقاط ضلّت حاضرة في قرارات القمم العربية، وكرستها مبادرة الملك عبد الله للسلام في بيروت سنة 2002.
و إذا ما أقررنا بأنّ تاريخ الجامعة العربية كانت به محطّات مضيئة كمؤتمر فاس 1974 بالمغرب الذي أعتبر و أقرّ “منظمة التحرير الفلسطينية” الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني بموافقة جميع الدول العربية باستثناء الملك حسين ملك الأردن.
و قد ساهمت مخرجات قمة فاس تلك في تقوية عود القوى الفلسطينية و شحنتها للتعبير عن نفسها والصدح بقضيتها حتى أنها توصلت على إثرها إلى التوافق على خطة سلام أفضت فيما بعد في مبادرة السلام ببيروت سنة 2002 التي توصلت خلالها الفصائل إلى تحقيق حد أدنى لبناء دولة وطنية مستقلة ومعترف بها على حدود 1967.
هذه النقاط المضيئة في تاريخ الجامعة العربية لم تفضي إلى ربط جماح الاستيطان الإسرائيلي و تدمير واغتصاب أحياء برمّتها وحتى الاستحواذ على تاريخ فلسطين.
أغلب المحلّلين والباحثين العرب المتعصبين لقضية الأمّة والناشطين بالمجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية و حتى القرّاء العرب لا يتوانون عن التذكير بأنّ بيت الداء ليس بالجامعة كهيكل و تنظيم بل يكمن في أداء أعضاء الجامعة أنفسهم الذين يفتقرون للجدارة والجسارة والمسؤولية العالية والكفاءة زمن الأزمات التي تخوّل لهم اتخاذ قرارات في قيمة القضية قابلة للتفعيل على أرض الواقع و تنتهي بحلول عمليّة تحلّ عقدة الاحتلال و تقصف جماع الاستيطان.
وفي هذا السياق يشهد العديد من الباحثين والمتابعين لأداء الجامعة أنّ قراراتها ومخرجات قممها تظلّ حبرا على ورق لا تُحترم ولا تحظى بالتطبيق و يرجع عدد كبير منهم هذا الخذلان للقضية لتدخّل أطراف خارجية تخضع لها الدول الأعضاء.
كما ساهمت تطورات العلاقات الإقليمية و تعقيداتها في زيادة تضاؤل الأمل في بلوغ أهداف و قرارات الجامعة كتنظيم مؤسساتي تحكمه ضوابط و نواميس عمل.
وقد وأدت التحالفات الإقليمية والاصطفافات مشاريع التحرّر و الانعتاق فكانت الخطوات والمواقف السياسية للجامعة وأعضاءها معاكسة لتطلعات الشعوب العربية حيث كانت “معاهدة السلام لتطبيع العلاقات بين مصر و”الكيان الإسرائيلي” سنة 1979 و اتفاقية “وادي عربة الأردنية” سنة 1995، واتفاقية 17 ماي سنة 1983 بين “إسرائيل” والحكومة اللبنانية أبرز محطات الخذلان التي وقفت عندها القضية الفلسطينية وأثارت سخط الشعوب العربية.
و أعتبر حقبة الحراك العربي منذ 2011سنة إلى اليوم، هي أسوأ حقبة للجامعة العربية حيث كانت الطرف الجالس على الربوة ولم تكن في مستوى الأحداث التي حفّت بشعوب المنطقة حتّى أنها ظهرت في ثوب اللامبالي بموجة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي التي انطلقت مع الإمارات و البحرين بشكل علني بينما تعالت أصوات تؤكد التطييع الغير معلن من طرف دول أخرى على غرار مصر (نظام السيسي).
سكون الجامعة العربية إزاء موجة التطبيع هذه لا يبشّر سوى بانهيار الجامعة نفسها ومزيد تعقيد الحلول الممكنة للحدّ من سطوة الاحتلال الغادر.