طبقا لوسائل إعلام مختلفة فإنّ مواجهات مع الأمن وأعمال شغب ونهب وسلب تجدّدت الليلة أيضا لكن بوتيرة أوسع جغرافيّا من الليالي السابقة.. وذلك في أماكن مختلفة من البلاد من شمالها إلى جنوبها..
وأفادت وسائل الإعلام وشهود عيان بأنّ قوّات الجيش الوطني بدأت الانتشار في شوارع عديد المدن أمام المنشآت الحيويّة ومقرّات السيادة.. ومنها سوسة وبنزرت وسليانة والقصرين.
في حين تعرّضت عديد المقرّات التجاريّة بمناطق مختلفة إلى عمليّات اقتحام وسرقة..
في ليلة الأحد 17 جانفي 2020 شهدت تونس العاصمة أعمال كرّ وفرّ بين عدد من الشباب وقوّات الأمن خاصّة بأحياء التضامن والانطلاقة والمنيهلة وجبل الجلود.. كما عرفت معتمديّات مختلفة في ولايات بنزرت وسوسة والمنستير والمهديّة وقبلّي والقيروان والقصرين وقفصة نفس تلك المواجهات..
من جهتها أعلنت وزارة الداخليّة أنّ عدد الموقوفين بلغ إلى حدّ الليلة 247 شخصا في كامل تراب الجمهوريّة.. وأنّه قدّ تمّ خلع وسرقة فرع بنكي وعدّة محلاّت تجاريّة.. وصرّحت الوزارة على ذمّتها وأنّ أغلب مرتكبي ما وصفته بالأعمال “التخريبيّة” هم من القصر..
–
الملاحظ أنّه لا يمكن الحديث عن احتجاجات سياسيّة طالما أنّ التحرّكات الليليّة بالشوارع تكاد تكون خالية تماما من أيّ مطالب أو شعارات أو هتافات سياسيّة.. وإنّما اقتصرت غالبا وللأسف على قطع بعض الطرق ورمي الحجارة وإشعال العجلات المطاطيّة.. وأحيانا أعمال اقتحام للممتلكات الخاصّة والمحلاّت التجاريّة وسلبها والاستيلاء على ما يوجد فيها..
وهو ما يجعل الأعمال الجارية أقرب لأعمال الشغب والنهب ذات البعد الأمني منها للاحتجاج السياسي السلمي الهادف..
–
كما أنّه ولئن حاولت بعض الشخصيّات السياسيّة الترويج للأعمال الجارية بكونها ردّ فعل على حكومة المشيشي وعلى الأحزاب الداعمة لها.. فإنّه ما من جهة سياسيّة واضحة ومعروفة تقف علنا وراء تلك التحركّات غير المؤطّرة.. ولا أعلنت تبنّيها أو مساندتها لها رسميّا..
غير أنّ ردّ فعل بعض الجهات والشخصيّات السياسيّة يعكس فقط رغبة خفيّة في استغلال تلك التحركّات لمهاجمة الحكومة الحاليّة وأحزابها.. محاولين الربط بين فشل هذه الحكومة وما قبلها وبين الاحتجاجات الشعبيّة.. بإظهار وأنّ الثانية هي ردّ فعل على الأولى.. حتّى الاتّحاد العام التونسي للشغل نأى بنفسه تماما عن تلك التحرّكات..
–
في المقابل فإنّه وخلافا لبعض الشخصيّات الناشطة سياسيّا أو على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تقدّم نفسها بكونها داعمة لرئيس الجمهوريّة قيس سعيّد.. وأعلنت مساندتها لتلك التحرّكات واعتبرتها ثورة شعبيّة ثانية ضدّ منظومة الحكم.. بما في ذلك صفحات فايسبوك معروفة كانت مساندة للحملة الإنتخابية الرئاسية لقيس سعيّد.. بما سمح للبعض.. وخاصة من خصومه السياسيّين.. بمحاولة الربط ما بينها وبين الرئيس سعيّد نفسه..
وخلافا أيضا لبعض الاتّهامات الصريحة من أطراف سياسيّة مختلفة والتي طالت رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد واعتبرت بأنّه يشجّع على تلك التحرّكات والفوضى خاصّة بسكوته..
فإنّ انتشار قوّات الجيش الوطني الليلة لا يمكن أن يكون قد حصل إلاّ بإذن وبأمر من رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد القائد الأعلى للقوّات المسلّحة.. وهو ما يعني بوضوح موقفا مناهضا لتلك التحركّات وأعمال الشغب وحرصا على حماية البلاد.. وعلى منع سقوطها في الفوضى.. أو تهديد حياة وممتلكات المواطنين والمؤسّسات..
–
ما يجري من أعمال لن يكون على الأرجح قابلا للتطوّر سياسيّا أو فرض منعرج سياسيّ مُؤثّر طالما أنّ الشباب القائم بالتحرّكات لا خلفيّة سياسيّة له.. وغير مؤطّر سياسيّا.. ولا توجد أهداف سياسيّة أو توجّهات واضحة ومعلنة لتحركّاته.. وطالما اقتصرت تلك الأعمال على شغب في الشوارع وأعمال سلب ونهب.. تشكّل تهديدا واقعيّا وخوفا لعامّة الشعب.. ولم تعكس توجّها سياسيّا معيّنا أو حتّى اجتماعيّا.. ولم تتبلور في أفكار أو في مطالب واضحة وبنّاءة.. ولو في شكل هتافات أو شعارات لكنّها قد تحمل دلالات..
مقال مأخوذ من الصفحة الشخصيّة للأستاذ عبد اللّطيف درباله