النتيجة التي تحصل عليها حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية بالمغرب تجعلنا نضع عدة أسئلة حول أسباب هذه الهزيمة التي حصد فيها الحزب 12 مقعدا مقارنة بـ 125مقعدا في آخر انتخابات عام 2016،وسوف لن تسعفه هذه الحصيلة حتى في تشكيل كتلة نيابية (تقتضي التوفّر على 20 مقعداً وفق القانون الداخلي لمجلس النواب المغربي).
صعود حزب العدالة والتنمية للحكم بعد الربيع العربي
صعد حزب العدالة والتنمية للحكم في المغرب بعد موجة الربيع العربي الذي دق أبواب المغرب بعد نجاح الثورة التونسية والمصرية و تأسست حركة 20 فبراير بالمغرب ودعت للخروج للتظاهر للمطالبة بالآتي:
-دستور ديمقراطي شكلا ومضمونا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب.
– حل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب.
ونجحت حركة 20 فبراير في التأثير على الرأي العام وحصلت على دعم منظمات وطنية و أحزاب سياسية وجمعيات حقوقية ونقابات مهنية وجماعة العدل والإحسان الإسلامية وشهت المدن والقرى المغربية مظاهرات حاشدة مما جعل الملك محمد السادس يعلن ، في خطاب له، مارس 2011، عن نيته إجراء إصلاح دستوري يتضمن تعزيز الحريات وإصلاح الحكم المحلي وتقوية مكانة رئيس الوزراء،كما تعهد بإصلاح وتحديث هياكل الدولة،و قد رأى مراقبون أن مبادرة الملك كانت للالتفاف على الحراك الشعبي في انتظار عودة الأوضاع كما كانت عليه قبل الربيع العربي.
واستفاد حزب العدالة والتنمية من التعديلات الدستورية الملكية، و تمكن للمرة الأول من الفوز بالانتخابات التشريعية في 2011 وتشكيل حكومة بقيادة عبد الإلاه بن كيران ورغم عدم تلبية هذه الحكومة مطالب الشعب المغربي إلا أن الحزب فاز في انتخابات 2016،و حصل على 31.65 في المئة من مجموع المقاعد، بزيادة نحو 4 في المئة عن مجموع مقاعده في انتخابات 2011.
دور المعارضة المغربية ودول عربية في عرقلة تشكيل حكومة عبد الإلاه بن كيران
بعد انتخابات 2016 عجز عبد الإلاه بن كيران لمدة 5 شهور عن تشكيل حكومة وهو ما جعل الملك محمد السادس يقوم بإعفائه من رئاسة الحكومة لتنطلق بعد ذلك حملة هجومية الكترونية ضد قرار الملك واتهمه مئات النشطاء بأنه وراء تعطيل تشكيل الحكومة لتكون مطية لعزل بن كيران الذي يبدو أنه رافض لتلقي الأوامر وتنفيذها.
و أكد بن كيران في شريط بث بتاريخ 14 نوفمبر 2016 في الموقع الرسمي لحزب “العدالة والتنمية” أن هناك عرقلة في تشكيل الحكومة مشيرا إلى الأحزاب السياسية التي خسرت الانتخابات و متهما إياها بمحاولة الانقلاب.
و أوضح بن كيران أن الأمين العام الجديد لحزب الأحرار، عزيز أخنوش، فرض شروطا لا يمكن القبول بها من أجل تشكيل الحكومة ،مضيفا ،” على “صديق الملك” عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أن يحترم الإرادة الشعبية.
وقال بن كيران أن محاولة الانقلاب تمثلت أيضا في أن يكون رئيس مجلس النواب من خارج الأغلبية التي ستتشكل مضيفا أنه” لو تمت هذه المحاولات لحدث إرباك بتشكيل الحكومة مبكراً، ولتم إجهاض إرادة المواطنين الذين منحوا الصدارة لحزب العدالة والتنمية بـ125 مقعداً، مما يجعله يتوجه إلى العاهل المغربي لإخباره بما يجري، وبأنه لا يمكنه تشكيل الحكومة”.
هذا وإلى جانب المعارضة الداخلية قاد رئيس الشرطة والأمن العام في دبي ضاحي خلفان هجوما على حزب العدالة والتنمية متمنيا في سلسلة تغريدات سقوط الحكومة التي يتزعمها بن كيران سقوطا مدويا ، واصفا الإخوان بأنهم “أجسام بغال وعقول عصافير” فرد عليه بن كيران بأنه نذير شؤم ووجه نحس.
كما تحدث بن كيران عن خصوم يحاولون تكرار التجربة المصرية في المغرب من خلال خلق إعلام معاد للعدالة والتنمية ،مضيفا أن زعماء المعارضة ذهبوا إلى الخارج و الخليج ، واجتمعوا مع بعض الأطراف من أجل إسقاط تجربة الإسلاميين، حتى وإن تضرر من ذلك الوطن”، في إشارة منه لزيارة المعارضة لدولة الإمارات .
الأخطاء الفادحة التي أدت إلى معاقبة حزب العدالة والتنمية
بعد إزاحة بن كيران وتعيين سعد الدين العثماني الذي عرف بضعف شحصيته ومواقفه ، بل حتى أنه قبل المنصب بالشروط التي رفضها بن كيران ، مني جزء كبير من الشعب المغربي بخيبات خاصة من المؤيدين للأحزاب الإسلامية الذين أملوا بانتخابهم لحزب إسلامي نصرة الإسلام وقيمه و عدالته ونصرة اللغة العربية فإذا بهم يجدون أنفسهم أمام رئيس حكومة إسلامي لا علاقة له بنصرة الإسلام و لا اللغة العربية.
ففي 23 جويلية 2019 أقر البرلمان المغربي بموافقة 241 نائبا ومعارضة أربعة نواب وامتناع 21 نائبا عن التصويت، بتعزيز مكانة اللغة الفرنسية في المدارس.
و وصف عبد الإلاه بن كيران رئيس الحكومة السابق ما جرى بأنه “أضحوكة الزمان” إذ “كيف لحزب بمرجعية إسلامية أن يتخلى عن العربية في التعليم ويحل محلها لغة الاستعمار؟ قائلا :هذه فضيحة”.
وقال بن كيران أيضا “عندما علمت بالقرار فكرت كثيرا في مغادرة الحزب (العدالة والتنمية) حيث إنني لم أعد أشعر بأنه يشرفني الانتماء لحزب تتخذ أمانته العامة هذا القرار”.
ولام بن كيران أعضاء الحزب على عدم التصويت بالرفض، حيث فضلوا الاكتفاء بالامتناع عن التصويت، مما سمح للجنة بتمرير مشروع القانون أولا -ثم تمريره لاحقا بالمجلس- موضحا أنه عاش ليلة من أسوأ الليالي عندما سمع بما جرى، وأنه يعتبر هذه الخطوة أول خطأ جسيم يرتكبه “العدالة والتنمية” منذ دخوله دوامة التدبير الحكومي عام 2011.
أما الخيبة الأخرى فهي مصادقة حكومة الإسلاميين في مارس 2021 على مشروع قانون لتقنين زراعة القنب الهندي أو ما يعرف بـ”الكيف” فأعلن على إثره بن كيران تجميد عضويته من حزب العدالة والتنمية وكتب في تدوينة “إنه تبعا لمرور قانون تقنين زراعة القنب الهندي، قرر تجميد عضويته داخل الحزب وقطع علاقاته بمجموعة من القيادات الحزبية، هم الأمين العام للحزب رئيس الحكومة، والوزراء مصطفى الرميد وعبد العزيز الرباح ومحمد أمكراز، إضافة إلى القيادي والوزير السابق لحسن الداودي”.
كما مني الشعب المغربي في عهد العثماني بقمع المظاهرات و حراك الريف وسجن قادته ، كما طال القمع مدونين و صحفيين من بينهم سليمان الريسوني، وعمر الراضي و توفيق بوعشرين،ووُجّهت لهم تهم خطيرة، وصدرت ضدهم أحكام قاسية بالسجن ،كما تعرض المتظاهرون السلميون للقمع والاعتقال بسبب مطالبهم المعيشية كالشغل والماء الصالح للشراب.
و كانت الضربة القاسمة لهذا الحزب والذي يستوجب معاقبته من قبل شعب ينصر كأغلب الشعوب العربية القضية الفلسطينية توقيع سعد الدين العثماني اتفاق تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي والذي تم التوصل إليه بوساطة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو ما أدى إلى مزيد الانشقاقات والتصدع داخل العدالة والتنمية.
و إن كان هذا الحزب وقع اتفاق التطبيع برضاه أم كان ضمن لعبة محبوكة وفخ أريد به إيصال هذا الحزب للنتيجة التي وصل إليها في الانتخابات البرلمانية -سبتمبر 2021- وهزيمته الشنيعة فيها فان هذا لا يعني الشعوب التي تريد حكاما أقوياء لا ينحنون أمام أي مؤامرة وتكون لهم مبادئ وثوابت في القضايا المصيرية في الأمة.
وهكذا هي الشعوب العربية التي تصبر على مآسيها الاقتصادية والاجتماعية ولكنها إن سمح لها بانتخابات نزيهة فإنها تختار من تظن أنه سينصر الهوية الإسلامية وإن عاقبت فإنها تعاقب من يتهاون ويخذل هذه الهوية ،لذلك على هذه الأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام الكف عن مداهنة المنسلخين عن الهوية الاسلامية والتطبيع معهم و مراجعة نفسها وموقفها من نصرة الاسلام كلفها ذلك ما كلفها.