قدت وزارة التربية يوم الأحد 2 جانفي 2021 ورشة تشخيصية تحليلية لواقع المنظومة التربوية التونسية أعلن خلالها الوزير شراكة الوزارة مع الشراكة العالمية من أجل التعليم Global Partnership for Education ( GPE ) وهي منظمة دولية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية (واشنطن العاصمة ) ويشرف عليها بنك النقد الدولي.
وتعمل هذه المنظمة – كما تقول – على تحسين التعليم بالدول الفقيرة وعلى ضمان الإنصاف بين المتعلمين والمساواة بين الجنسين ووضعت في سبيل ذلك برنامجا إمتد من سنة 2016 إلى سنة 2020 .
وتعتزم وزارة التربية الإستفادة من تمويلها ودعمها المالي وبما أن هذه الشراكة تفتقد لأدنى معايير الشفافية والوضوح فإن أسئلة عديدة تطرح حول من يقف ورائها وما يزيد الأمر غموضا ويدعو إلى الإرتياب هو إصرار وزارة التربية على تكليف المعهد العربي لحقوق الإنسان بالإشراف على عملية الإصلاح التربوي في تونس نيابة عن المربين أهل الدار.
فكيف لمعهد حقوقي وعربي أن يقود إصلاح تربوي وطني؟!! وبأي حق يفرض علينا وزير التربية جمعية حقوقية عربية للإشراف على إصلاح منظومتنا التربوية؟!!
الإصلاح التربوي والتدخل الأجنبي
أقحم وزير التربية بعيد الثورة الطيب البكوش المعهد العربي لحقوق الإنسان في الشأن الداخلي التونسي لأنه إشتغل لفترة زمنية (رئيسا) لهذه المؤسسة.
وغادر الوزير الطيب البكوش وزارة التربية لكنه ترك لمن خلفه -بحكم استمرارية الدولة- تركة ثقيلة تمثلت في (أجانب) يشرفون على إصلاح التعليم…
تلقف الوزير الندائي ناجي جلول ذلك “المكسب” واستخدمه لتركيز المفاهيم اليسارية الإستئصالية تحت عناوين “حقوقية” و”حداثية”… وهي تمشيات مخالفة للدستور نصا وروحا… وضعية رتعت فيها الوجوه الشيوعية المتطرفة لتبث كل ما هو رديء مضامين وتراتيب وإجراءات ووسائل عمل. وضع منع كفاءات إدارية وبيداغوجية في وزارة التربية من القيام بمهامها على الوجه الأكمل.
مع وجود خبراء فرنسيون في الطابق الثالث من وزارة التربية منذ إشراف نداء تونس على وزارة التربية يمثل (تدخلا سافرا) في الشأن التونسي بما يمس السيادة الوطنية.
ولعل ما تم إنتاجه تحت عنوان (المقاربة بالمنهاج) هو سلسلة من الأكاذيب المنسوبة إلى التشخيص والتقييم حيث لم يُعتمد على أي دراسة علمية أو مؤشرات إحصائية… أما الكتاب الأبيض والمخطط الاستراتيجي فمجرد أوهام.
ويشير عضو الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية مصدق الجليدي، لموقع “الصدى نت”، إلى أنّ “وزارة التربية لم تشرك العديد من الأطراف ذات الصلة في القطاع التربوي، خلال صياغة المشروع الوطني لإصلاح المنظومة التربوية، وأقصت العديد من مكونات المجتمع المدني التي لها مقاربات حول كيفية الإصلاح والنقاط الضرورية التي نحتاجها اليوم لتطوير التعليم وجعله يتماشى مع التطور التكنولوجي في العالم.
ويضيف الخبير في النظم التعليمية مصدق الجليدي أن الغريب في إصلاح ناجي جلول هو الاستعانة بأيادي خارجية مثل المركز الدولي للدراسات البيداغوجية التابع لوزارة التربية الفرنسية، وقد تولى هذا المركز بتواطىء مع وزير التربية السابق ناجي جلول إعداد المنهاج العام للإصلاح التربوي في تونس”.
كما أكد رئيس الإئتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية والخبير الدولي في تقييم المنظومة التربوبة محمد بن فاطمة وجود فساد علمي في مسار إصلاح المناهج التعليمية من خلال انتداب خبراء أجانب غير متخصصين قاموا بأخطاء خلال عملية تكوين 120 من المتفقدين التونسيين.
وأضاف محمد بن فاطمة تبين من خلال الوثائق التي أصدرتها وزارة التربية أن الخبراء الأجانب الذين تم انتدابهم من أجل تكوين التونسيين الذين سيساهمون في عملية إصلاح البرامج الرسمية، قد ارتكبوا عديد الاخطاء العلمية الفادحة، ما ساهم، برأيه، في “فساد علمي على مستوى المناهج التعليمية التي أصبحت غير وجيهة ولن تحقق الاهداف المرجوة منها”.
من جانبها، تساءلت الناطق الرسمي باسم الائتلاف المدني لاصلاح المنظومة التربوية، وداد بن عيسى، عن دواعي عدم إقدام لجنة الانتدابات بوزارة التربية على انتداب خبراء متخصصين في إصلاح المناهج التعليمية، مشيرة، في نفس الاطار، إلى عدم تفطن اللجنة العليا لاصلاح المنظومة التربوية إلى خطورة المقاربة المعتمدة من قبل الخبراء الاجانب، وفق قولها.
كما تساءلت، في نفس السياق، عن طبيعة العلاقة القائمة بين الخبراء الأجانب المنتدبين لاصلاح المناهج التعليمية وبعض المسؤولين بوزارة التربية، وعن مدى وجاهة موقف الوزارة من الخبراء التونسيين، فضلا عن الاجراءات التي يمكن للوزارة أن تتخذها، بالاستئناس بالتجارب الدولية، من أجل تجاوز الاشكاليات الحالية.
واقترحت بن عيسى، في هذا الاطار، إحداث مجلس أعلى للتربية يكون مستقلا عن الوزارة، وعن كل الوزارات والجهات والمنظمات المعنية بالتربية، وتشرف عليه رئاسة الحكومة، على أن توكل إليه مهمة رسم السياسات الوطنية والتوجهات الكبرى في التربية والتكوين والبحث العلمي، ووضع المخططات والاستراتيجيات العامة في التربية والتكوين والبحث، علاوة على توليه تقييم مخرجات السياسات والتوجهات بالنسبة إلى كل قطاع، وتقييم مسار التربية والتكوين والبحث بصفة شاملة.
يشار إلى أن الائتلاف المدني لاصلاح المنظومة التربوية تاسس سنة 2015 ويضم عددا من المنظمات، وحوالي 250 جمعية متخصصة في المجال التربوي، وهو يهدف أساسا إلى مرافقة عملية الاصلاح التربوي.
هذا ويذكر أن كاتب عام النقابة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي كان قد كشف أن وزير التربية السابق ناجي جلول ترك المعنيين بعملية إصلاح التعليم في تونس واعتمد على جهات أجنبية لوضع المناهج في كتب الدراسة .
وتزامن تصريح اليعقوبي مع اجتماع عقده وزير التربية السابق ناجي جلول بوزيرة التربية الفرنسية نجاة قالو بلقاسم في تونس بتاريخ 31 مارس 2017 .
تدخل فرنسي واضح
وكانت الوزيرة الفرنسية نجاة قالو بلقاسم قد أشرفت على عملية الإصلاح التربوي والتعليمي الذي قامت به وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط .
وقد أكدت وزيرة التربية الفرنسية، نجاة فالو بلقاسم في أفريل 2016 وجود تعاون بين وزارتي التربية الفرنسية والجزائرية حول عملية الإصلاح التربوي والتعليمي الذي تقوم به وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط وقالت نجاة فالو بلقاسم حسب الصحف الجزائرية ، أن “التعاون مع وزارة التربية الجزائرية ينبغي له أن يتقدم كثيرا في إطار شراكة قوية، فما يهمنا كثيرا يندرج في مجال تكوين المكونين، خصوصا مع الإصلاحات التربوية التي تقودها الوزيرة نورية بن غبريط”.
وجاء اعتراف الوزيرة الفرنسية بعد نفي وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط وجود تعاون مع فرنسا حول عملية الإصلاح التربوي والتعليمي الذي تقوم به إلا أن مع إبقاء مشروع الاصلاح في كنف السرية ودون أن يطلع عليه أهل الذكر والاختصاص في الجزائر بدأت العديد من الأحزاب السياسية والجمعيات وعلى رأسها جمعية العلماء المسلمين تشكك في عملية الإصلاح و وصفتها بـ”السرية والضبابية وبمحتويات مجهولة”.
ورأت أن ما تقوم به الوزيرة بن غبريط لا يهدد المدرسة الجزائرية فقط، بل يهدد الوحدة الوطنية في أساسها.
وقد أفادت مصادر أن الوزيرة بن غبريط استقدمت 11 مختصا في التربية من فرنسا لتحضير الجيل الثاني من الإصلاحات التي جاء بها تقرير بن زاغو؛ ويتعلق الأمر بالانتقال من حالة تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، إلى حالة تمثّل التلاميذ للقيم الحضارية التي تنتمي إليها اللغة التي تدرس بها المواد العلمية، وهي الفرنسية.. أي أن الجزائري لا يمكن أن يدرس اللغة الفرنسية كلغة علم مثل الهندي أو الإسباني أو أي جنسية أخرى، بل يدرسها كالفرنسي الذي يتمثل القيم الفرنسية للغة.
وأضافت المصادر أن الوزيرة بن غبريط تعرف جيدا خطورة ما تقوم به ولهذا أجرت عملية الإصلاح المزعومة في سرية تامة وتحت المراقبة الدقيقة للأجانب الفرنسيين وبعيدا عن أي مشاركة من المربين الجزائريين.