كمواطنة تونسية أتساءل ماذا جنى الشعب التونسي من ذلك الحوار الوطني الذي انطلق في 15 أكتوبر 2013 بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين حتى يأمل أحدنا اليوم في أي منفعة من إقامة حوار جديد بزعم إنقاذ البلاد؟
وللإجابة على سؤال ماذا حققه هذا الحوار أعود للأوضاع السياسية التي سبقته والتي اتسمت بالتوتر وبالعمل على وأد الثورة التونسية بمخطط هذه أبرز عناوينه:
1- على مستوى محاربة مؤسسات الدولة الشرعية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 أعلن محسن مرزوق بتاريخ 3 نوفمبر 2011 إحداث مجلس تأسيسي موازي في رفضا للمجلس التأسيسي المنتخب.
2-بتاريخ 16جوان 2012 ترسكل التجمع المنحل في حزب ما يسمى نداء تونس و أصبح الاتحاد العام التونسي للشغل يفرض الجلوس مع هذا الحزب بحجة فشل حكومة الترويكا ولإنقاذ البلاد.
3-عمليات إرهابية واغتيالات سياسية من بينها اغتيال السياسي شكري بلعيد في 6 فيفري 2013 أسفر عنه سقوط حكومة حمادي الجبالي بتاريخ 19 فيفري 2013 و إغتيال عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب التيار الشعبي محمد البراهمي في 25 جويلية 2013.
4-ظهور المحرك الرئيسي للمشهد السياسي وهي فرنسا التي رتبت بتاريخ 13 أوت 2013 لقاء بين رئيس حركة نذاء تونس الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي في باريس ليتم هناك رسم المشهد السياسي في تونس وتمثل – بشهادة القيادي بالنهضة عبد اللطيف المكي- في منع المصادقة على قانون تحصين الثورة بالبرلمان وفتح المجال ليتولى الباجي القائد السبسي الرئاسة في2014 وهو ما يعني تمكين المنظومة القديمة من الحكم مجددا.وقد أكد عبد اللطيف المكي أن هذه القرارات اتخذها زعيم حركة النهضة دون العودة إلى مؤسساتها.
- 5- و بعد شهرين من ترتيب المشهد السياسي في فرنسا انطلق ما يسمى الحوار الوطني التونسي في 15 أكتوبر 2013 لتنصيب ما أطلقوا عليه احكومة كفاءات تترأسها شخصية مستقلة لتحل محل حكومة الترويكا التي عليها أن تتعهد بتقديم استقالتها في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من موعد انطلاق الحوار الوطني وليتم في 9 جانفي 2014 استقالة حكومة علي العريضوبالتالي إقصاء الترويكا من الحكم ونصبت حكومة مهدي جمعة التي يعتبرها الثوريون في تونس أنها حكومة الثورة المضادة وحكومة فساد بامتياز.
- ماذا تحقق لتونس سياسيا بعد حوار 2013؟
- تأسست بعد الحوار الوطني 4 حكومات وهي حكومة مهدي جمعة وسقطت لعدم كفاءتها وما كشف من تجاوزات لمهدي جمعة واستغلال للنفوذ ثم حكومتا الحبيب الصيد الأولى والثانية و لم تعرف البلاد في عهدهما استقرارا وتمت خلالهما عدة أعمال إرهابية تزامنا مع الضغط على الحبيب الصيد للاستقالة وتقديم الباجي قائد السبسي مبادرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل كل الأطياف السياسية والمنظمات النقابية فتم التوقيع على وثيقة قرطاج الأولى في 13 جويلية 2016
- و نجحت الثورة المضادة في إسقاط حكومة الحبيب الصيد وتم سحب الثقة منها بالبرلمان يوم 30 جويلية 2016 وذلك لإفساح المجال أمام مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
- وألقى الحبيب الصيد خطابا أمام البرلمان انتقد فيه المبادرة الرئاسية والتحرك المفاجئ لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية والضغوط التي تعرض إليها لتقديم إستقالته وقال في مداخلة تلفزية إنه تم تخييره بين الإستقالة أو “التمرميد..ثم انتشر خبر سعي الباجي قائد السبسي لتوريث نجله حافظ الحكم.
أما الحكومة الرابعة بعد الحوار الوطني فهي حكومة يوسف الشاهد ونجح الاحاد أخيرا في تشريك نقابيين وهما عبيد البريكي و محمد الطرابلسي بعدما كان يقول أنه لن يقترح أي إسم نقابي لتشريكه في الحكومة و أن غايته الاولى والاخيرة الالتزام بوثيقة قرطاج.
وعرفت حكومة الشاهد قلاقل على المستوى السياسي من بينها محاولة انقلاب على الحكم بقيادة وزير الداخلية لطفي براهم والغاية دائما قطع الطريق على الاسلاميين للتمركز في الحكم.
وقد كشف الكاتب الفرنسي “نيكولا بو” عبر مقال بموقع “أفريك موند “أن لطفي براهم هندس عملية انقلابية في تونس بإعانة السعودية والإمارات لإزاحة التيار الثوري وحزب النهضة وقطع الطريق عليها لكي لا تفوز بالانتخابات البلدية المزمع إجرائها في 6 ماي 2018.
و أكد “نيكولا بو” أن لطفي براهم اجتمع بمسؤول في الاستخبارات الإماراتية في جزيرة جربة التونسية ورسما معا خريطة الطريق التي تؤدي إلى تغييرات تمسّ رأس هرم الدولة، عبر إقالة يوسف الشاهد، وتعيين كمال مرجان بدلاً منه، وإقصاء الرئيس الباجي قائد السبسي من رئاسة تونس لأسباب طبية، كما حصل مع الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة، حينما استبعده خلفه زين العابدين بن علي”..
و قام لطفي براهم بزيارة إلى السعودية دون علم رئيس الحكومة يوسف الشاهد و كشف أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك أن الوزير لطفي براهم قابل العاهل السعودي و بقي في الرياض لخمسة أيام، و عاد إلى تونس على متن طائرة ملكية خاصة بمحمد بن سلمان وهناك أخبار عن تلقيه أموالا لصرفها في العملية الانقلابية وقد نفى لطفي براهم هذه الاتهامات.
و تزامنا مع انتشار خبر سعي حافظ قائد السبسي لوراثة حكم والده وقع الضغط على يوسف الشاهد لتقديم استقالته و في يوم 28 ماي 2018 تم تعليق العمل بوثيقة قرطاج الأولى و الانطلاق في نقاشات وثيقة قرطاج الثانية وكرد فعل توجه يوسف الشاهد بتاريخ 29 ماي 2018، بكلمةإلى الشعب التونسي عبر القناة التلفزية “الوطنية الأولى”اتهم فيها مسيرين لحزب نداء تونس وعلى رأسهم حافظ قايد السبسي والمحيطين به بتدمير الحزب مما زاد بعد كلمته في تصدع حزب نداء تونس وانقسام أعضائه بين مؤيد لحافظ قائد السبسي و مؤيدين ليوسف الشاهد
وفي 15 جويلية 2018 وفي استمرار محاولة الرئيس الباجي قائد السبسي لتوريث نجله الحكم طالب يوسف الشاهد عبر حوار تلفزي بالاستقالة أو الذهاب إلى البرلمان غلى غرار ما حصل مع الحبيب الصيد ورد عليه يوسف الشاهد بأن الحديث عن تغيير الحكومة سيكون له مخاطر على الاقتصاد التونسي وعلى التزامات الدولة وأولوياتها.
و في سبتمبر 2018 تم الانتهاء من صياغة 64 نقطة في هذه الوثيقة الثانية و تم الاتفاق على جميع النقاط ماعدا الاخيرة التي تتعلق برحيل يوسف الشاهد من القصبة.
واصلت حكومة الشاهد عملها بكثير من التوتر السياسي ومواصلة العمليات الارهابية والقيام بتحويرات وزارية و عقدت حركة نداء تونس مؤتمرها الانتخابي يومي 6 و7 أفريل 2019 بالمنستير بحضور رئيس الجمهورية الراحل الباجي قايد السبسي في افتتاحه، غير أن المؤتمر فشل في حل أزمة الحزب الذي انقسم بعد المؤتمر لـ”شق المنستير” بقيادة حافظ قايد السبسي و”شق” الحمامات بقيادة عدة أسماء من بينها سفيان طوبال وعادل الجربوعي وأنس الحطاب.
مع إستمرار الضغط على يوسف الشاهد للاستقالة والجدل حول تعديل القانون الإنتخابي جدت بتاريخ 27 جوان 2019 عملية إرهابية في شارع شارل ديغول في قلب العاصمة تونس أدت لاستشهاد شرطي وجرح 8 آخرين مع سريان إشاعة لاقت انتشارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي عن وفاة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي مع انعقاد البرلمان بصفة مستعجلة للنظر في التطورات الذي عرفتها البلاد.
و ذكر وزير الدفاع آنذاك عبدالكريم الزبيدي أنه كان سيرسل دبابتين لتعطيل عمل البرلمان و قام بوضع المؤسسة العسكرية على أهبة الاستعداد وذلك بحماية المستشفى العسكري أين يعالج الرئيس الراحل إضافة الى إمكانية انتشار قوات الجيش في المراكز والمواقع الحساسة في الجمهورية التونسية إلا أن محللين رأوا أن ماكان ينوي الزبيدي القيام به هو الانقلاب على الحكم في صورة صحة إشاعة وفاة الباجي قائد السبسي خاصة مع تكتم الرئاسة حول وضعه الصحي.
مع تكتم رئاسة الجمهورية حول الوضع الصحي للرئيس الباجي قائد السبسي أفاد رئيس حزب “الاتحاد الوطني الحر”سليم الرياحي أن الرئيس تعرض لعملية تسميم.وكثر الحديث عن محاولة قتله حتى لا يمضي على التعديلات في القانون الانتخابي التي تتضمن رفع بنسبة العتبة الانتخابية إلى 5% بداية من انتخابات أكتوبر 2019 ، باعتبارها حدا أدنى من نسبة الأصوات التي يجب الحصول عليها من كل قائمة للدخول إلى البرلمان.
كما تلزم تعديلات القانون الانتخابي هيئة الانتخابات رفض ترشّح كل من ثبت استفادته من استعمال جمعية أو قناة تلفزيونية للإشهار السياسي (الدعاية السياسية أمثال نبيل القروي صاحب قناة نسمة وكذلك من لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور، و من يدعو إلى العنف والتمييز والتباغض، أو من يمجد النظام الديكتاتوري السابق أمثال التجمعية عبير موسي وممارسة انتهاكات حقوق الإنسان، و من يمجد الإرهاب
توفي الباجي قائد السبسي يوم 25 جويلية 2019 دون أن يوقع التعديلات على القانون الإنتخابي وأقيمت له جنازة وطنية يوم 27 جويلية 2019 و أكد رئيس الحكومة يوسف الشاهد في لقاء مع القناة الوطنية أنه كان سيجتمع مع الرئيس الباجي قائد السبسي قبل الوعكة الصحية من أجل الامضاء على تعديلات القانون الانتخابي لكن تم الغاء الاجتماع قبل ساعات دون إعلامه بالأسباب وهو ما يبقى لغزا محيرا بالنسبة له.
عاد الحديث عن تسميم الرئيس الباجي قائد السبسي بعد وفاته وقال نجله حافظ القائد السبسي في تصريحات صحفية أن والده الراحل تعرض لتسمم غذائي وانه سوف يكشف الساعات الأخيرة في حياته وسوف يكشف عن حقائق من العيار الثقيل لأن الشعب التونسي له الحق في معرفة كل شئ .لكن صمت حافظ السبسي وغادر تونس و طوي الموضوع وبقي لغز تسميم الرئيس مقبورا وتلاشى ذلك الحزب نداء تونس الذي فرضه الحوار الوطني في 2013 وبشر التونسيين أنه سيحقق لهم المن والسلوى لكن ما بني على باطل فنهايته باطل.
ماذا حقق الحوار الوطني في 2013 على المستوى الإقتصادي والاجتماعي؟
لم يحقق هذا الحوار أي فائدة في تحسين اوضاع التونسيين اقتصاديا واجتماعيا لأن الغاية منه كانت سياسية ووقفنا على مشهد سياسي يُتناحر فيه من أجل المناصب و لعودة المنظومة القديمة وإقصاء كل ما نتجت عنه الثورة وعرفت تونس هجرة الآلاف من الأطباء والمهندسين والأساتذة الجامعيين علاوة على هجرة مئات العائلات وآلاف الشباب عن طريق الهجرة غير النظامية إضافة على استمرار غلاء المعيشة حتى أصبحنا نسمع بعائلات تاكل من الفضلات في الشارع.و أضف على ذلك تفاقم الجريمة والانتحار حتى اصبح المجتمع أقرب منه إلى الجاهلية ثم يوهموننا انهم يطلقون حوارات لتسوية الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
هل نأمل بإقامة حوار وطني جديد وضعا سياسيا واقتصاديا غير الذي كان عليه في تونس بعد حوار 2013؟
أنا عن نفسي لا آمل أي فائدة للشعب التونسي الذي سيبقى يعاني اقتصاديا واجتماعيا وإكمال متابعة مخطط محاولة إقصاء سياسيين محسوبين على الثورة دون أن نستبعد دور فرنسا الرئيسي في هذا المخطط وقد نبه العميد السابق هشام المؤدب بتاريخ الأحد 19 أكتوبر 2020 على قناة الزيتونة أن المهمة التي جاء بها السفير الفرنسي الجديد بتونس أندري باران هي إزاحة الجهة ذات المرجعية الدينية والمتبنية للفكر الثوري لصالح جهة ضد الثورة وذلك لتنفيذ أجندة غربية. كما أن مبادرة الاتحاد الجديدة تطالب بتغيير نظام الحكم وقد جاء في مبادرته” أمّا فيما يتعلّق بالنظام السياسي، ورغم وجوب تقييمه وتوفّر رغبة طيف واسع من المجتمع في مراجعته، فمن الضروري الانطلاق في حوار مجتمعي حوله يتواصل خارج روزنامة الحوار ولا يتقيّد بسقفه الزمني ويمكن أن تكون مخرجاته لاحقة تؤدّي إلى التفكير في تعديل النظام السياسي أو تغييره” وهو ما يعني عودة النظام الرئاسي وعودة الاستبداد واعادة تركيع الشعب وحرمانه من فائدة تحصل عليها بعد الثورة وهي حرية التعبير.
فلا يعلق شعب تونس أي أمل في حوار يقام بحجة تحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي وليت الذين يحاولون من جديد إقامة الحوارات لغايات سياسية أن يتعظوا بالدرس الذي انتهى فيه حزب نداء تونس وهو المصير الذي سيجده اي متلاعب بمصلحة الشعب وثورته وثرواته.
ليلى العود