بعد إعلانه عن قراراته الأخيرة مباشرة، بدأ الرئيس التونسي يتحرَّك بسرعتين مختلفتين، فهو تارة يتحرَّك بسرعة كبيرة مُعلِنا إقالة كلٍّ من هشام المشيشي، رئيس الحكومة المُكلَّف بإدارة وزارة الداخلية، و”إبراهيم البرتاجي” وزير الدفاع، ثم “حسناء بن سليمان” الوزيرة المُكلَّفة بالوظيفة العمومية ووزيرة العدل بالنيابة، ثم يُغلق مكتب قناة الجزيرة، وينشر الجيش أمام المؤسسات الرسمية، ويمنع التجمُّعات، ويُعلِن فتح تحقيق في شبهة فساد تلقِّي بعض الأحزاب لتمويل خارجي دعما لحملاتها الانتخابية.
وتارة يبدو وكأنه يتراجع عن هذه الخطوات حسبما أعلنت الرئاسة عن استقباله لمنظمات المجتمع المدني ، ثم إجراء العديد من الاتصالات مع زعماء عرب وغربيين للتأكيد أنه سيعمل جاهدا للحفاظ على التجربة الديمقراطية التونسية الفتية.
خطوات متثاقلة والبوصلة المختلة
يرى البعض في خطوات قيس سعيد دليلا على عدم وجود رغبة انتقامية لدى الرئيس من باقي التيارات والأحزاب السياسية المُعارِضة له، فيما اعتبرها البعض، تخبُّطا يؤكِّد أن قيس سعيد لا يعلم حقيقة ما يجب فعله، وأنه ما من تصوُّر واضح عنده لخطواته المقبلة، ولذا لا يمكن الجزم إن كان سيُعلِن عن انتخابات مبكرة أم سيحاول تغيير النظام السياسي إلى نظام يمنح صلاحيات أوسع لمؤسسة الرئاسة ويُقلِّص من قوة البرلمان.
من المنتظر أن يعلن سعيد عن رئيس وزراء جديد، مع تكليف حكومة تخضع لإشرافه المباشر لتكون مسؤولة أمامه.
وتضغط منظمات تونسية للتسريع بطرح خارطة طريق، تتضمن خططا واضحة لإنقاذ البلاد، مع ضمان احترام الدستور وحقوق الإنسان.
وينفي سعيد اتهامات بتنفيذه انقلابا، ويقول إنه اتخذ هذه التدابير استنادا إلى الفصل 80 من الدستور، وبهدف إنقاذ الدولة التونسية.
البرلمان: صداع قيس سعيد المزمن
ينتظر البرلمان مصيراً مجهولاً بعد تجميد الرئيس قيس سعيد أعماله لمدة شهر، تنتهي مبدئياً في 28 أوت الحالي، إلا أنها قابلة للتمديد، خصوصاً أن عدد الملاحقين من النواب من قبل القضاء كبير.
وبحسب المتحدث باسم القطب القضائي المالي محسن الدالي، فإن عدد الملاحقين قضائياً من النواب يبلغ نحو 40 (دون أن يعني ذلك إدانتهم ريثما تتم كل مراحل التقاضي)، وذلك دون احتساب من سيكشف عنهم القضاء في قضايا أخرى.
كما أشار الدالي، وهو ما يعني ملاحقة نحو 20 في المائة من مجموع 217 نائباً، عدد أعضاء البرلمان ، وربما تتجاوز هذه النسبة إذا كان عدد من سيكشف عنهم كبيراً.
وتطرح سيناريوهات عدة حول مصير البرلمان بعد انقضاء التدابير الاستثنائية، لعل أهمها العودة للعمل الطبيعي برفع قرار تجميده.
وتطرح من جهة أخرى إمكانية تمديد سعيد لقرار تجميد البرلمان لشهر أو أكثر، فالأمر الرئاسي يتضمن احتمال التمديد.
فوضى الشائعات
تصاعد حجم الشائعات في تونس بشكل خطير في الأيام الأخيرة، في ظل الغموض الذي يحيط بالبلاد، بعد قرارات الرئيس قيس سعيد، و”غياب خارطة طريق واضحة”، وسط تزايد تداول أخبار الاعتقالات والمؤامرات والاعتداءات.
وطاولت الشائعات والأخبار المزيفة مؤسسات الدولة وشخصيات عامة وسياسيين، سرعان ما تبيّن زيفها.
فمنذ أيام، يتم تداول أخبار وضع رئيس البرلمان راشد الغنوشي في الإقامة الجبرية ومنعه من السفر، واعتقال عدد من البرلمانيين وشخصيات حزبية، إلى جانب أخبار مزيفة عن اقتحام مؤسسات وإتلاف أرشيفها، رافقتها حملة تجييش وتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي على أحزاب وشخصيات.
وتسبب غياب المعلومات الرسمية والشح في تقديم التوضيحات من رئاسة الجمهورية وعدم إعلان خارطة طريق للفترة القادمة، في انتشار الإشاعات في البلاد، حيث يتم تداول تسميات في مناصب رئيس الوزراء وإعفاءات المسؤولين والولاة وكوادر عليا، ما تسبب في إرباك عمل عدة مؤسسات ووزارات بسبب المعلومات المتداولة.
في ضوء ما تقدم، ينتظر الجميع بشغف، وأحياناً بقلق، الخطوات التالية التي ينوي سعيّد القيام بها خلال الأيام المقبلة.
وهي الخطوات التي ستحدد ملامح الوضع السياسي الجديد، الذي ستحدد فيه جميع الأطراف مواقفها واستراتيجياتها وتحالفاتها.
وسيُعرف إلى أي مدى سيتمكن قيس سعيّد من التسيير المباشر والفعلي واليومي لشؤون الدولة، في ظل أوضاع متحركة شديدة الصعوبة ومفتوحة على كل الاحتمالات.