يبدو أننا في تونس على خطى أن يكون الوضع فيها من يقوم الأول من نومه يحكمها بما يشاء ويقصي فيها من يشاء ويتعامل مع من يشاء في تحد صارخ لإرادة الشعب و هويته الإسلامية ولمؤسسات الدولة المنتخبة وهو ما نشاهده الان من تقديم مبادرات غاية أصحابها وأد الثورة و عودة تركيع الشعب من جديد و إقصاء من كان المخلوعين بورقيبة وبن علي يقصيانهم.
طلع علينا في الأول الإتحاد العام التونسي للشغل بمبادرة و مما تنص عليه- وهو لبها ومقصدها – تعديل النظام السياسي بزعم أنها رغبة طيف واسع من المجتمع وجاء في هذا الصدد: “أمّا فيما يتعلّق بالنظام السياسي، ورغم وجوب تقييمه وتوفّر رغبة طيف واسع من المجتمع في مراجعته، فمن الضروري الانطلاق في حوار مجتمعي حوله يتواصل خارج روزنامة الحوار ولا يتقيّد بسقفه الزمني ويمكن أن تكون مخرجاته لاحقة تؤدّي إلى التفكير في تعديل النظام السياسي أو تغييره”.
ولسائل أن يسأل ماذا حقق لتونس ذلك الحوار الوطني الذي كان في 2013 برعاية الرباعي الراعي غير إيقاف تحقيق أهداف الثورة وتمهيد لمشهد سياسي أعاد المنظومة القديمة بفرض التجمع المنحل برسكلته في حزب نداء تونس ثم ما كان في الأخير من مصير هذا الحزب من اندثار وهروب حافظ قائد السبسي ومواجهة قادة آخرين قضايا تتعلق بالفساد المالي إضافة إلى واقع اجتماعي و اقتصادي مزري دفع بآلاف الأطباء و المهندسين والأساتذة إلى الهجرة إضافة إلى هجرة آلاف الشباب ومئات العائلات لعدم تمكنهم من العيش الكريم لغلاء المعيشة وقلة ذات اليد
كان على الاتحاد بعد ظهور نتائج هذا الحوار الوخيمة على الشعب و ثورته ان يكف عن تقديم المبادرات التي أصبح اي مواطن يتمتع بنسبة ضئيلة من الوعي يعلم ما غايتها الحقيقية.
وبعد اتحاد الشغل يخرج علينا من حين لحين رضا شهاب المكي المعروف برضا “لينين” عبر وسائل الإعلام ليقول أن زمن الانتخابات بحماس و زهو انتهى وولى و أن مشروع قيس سعيد سلطة في كل معتمدية قادم قادم و ما نفهم من كلامه أن الشعب الذي خرج ينتخب قيس سعيد بالمبلاين وبحماس سينتهي دوره ليعود إلى إنتخابات جديدة لا بشعار “الشعب يريد ” بل بشعار “قيس سعيد يريد” لفرض نظام سياسي جديد.
وبشر رضا لينين الشعب في حوار مع إذاعة “ديوان أف أم ” بتاريخ 17 سبتمبر 2020 بما أسماه “الجسم الغريب” الذي يحل مكان الدولة التي نعرفها ليدير شؤون الجماعة وتحترم فيه إرادة الشعب ناسيا أو متناسيا أنه تطاول على إرادة الشعب الذي انتخب رئيسا و برلمانا ثم يجد نفسه في فوضى الكل فيها يتصور تصوره الخاص لارادة الشعب ولنظام الحكم.
وكتب لينين على صفحته بموقع “فيسبوك”“من واجب رئيس الجمهورية أن يجري استفتاء لتغيير نظام الحكم، نحن إزاء موزاييك حزبي غير قادر على تكوين لجنة فما بالك حكومة”
فإذا كان موزاييك الأحزاب غير قادر على تكوين حكومة فماذا يستطيع فعله الموزاييك الذي يبشر به لينين ومن ورائه قيس سعيد وهو سلظة في كل معتمدية غير التناحر الذي قد يوصل إلى حرب أهلية لا قدر الله
هذا ومن بين المثقفين والمؤرخين الذين انتقدوا هذا المشروع اللينيني وسخروا منه وهم كثر أذكر المؤرخ الهادي تيمومي الذي يتوقع سقوطا صاروخيا لقيس سعيد كصعوده فقال ساخرا من مشروعه السياسي وأطروحات رضا شهاب المكي لينين :” يريدون احداث نوع من السوفياتات ورضا لينين يزعم انه ماركسي.. طيب لنفترض جدلا اننا قمنا بانتخاب برلمان في كل قرية وبرلمان في كل ولاية وبرلمان على مستوى وطني.. يعني سنقضي 365 يوما ونحن ننتخب لا نأكل ولا نشرب ولا نتسلى بالدعابة سنقضي كل الأيام ونحن ذاهبون وعائدون ننتخب ذهابا وايابا..طيب لنفترض ان برلمان الكبارة أين مسقط رأسي في ولاية القيروان قد طالب بمفاعل نووي ماذا سنفعل حينئذ…من سيحسم هذه المشكلة..هذا تخلويض وكلام فارغ مع احترامي لرضا لينين.“.
أصل الان إلى مبادرة رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي التي كانت على شكل وثيقة سياسية تحمل عنوان ” تصحيح المسار” وطبعا تصحيحه وفق مصالحها ومن وراءها هي الأخرى.
و سوف لن اتوسع فيما جاء في وثيقتها لانه لا يعنيني ولن يتحقق شيئا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي للشعب التونسي غير الشعارات فقط بل اكتفي بما اسمتها الوثيقة الاهداف الكبرى وتتمثل في :
– إقامة جمهورية، مدنية، إجتماعية، ذات سيادة وطنية، لا مكان فيها للإسلام السياسي( وهو ما يعني ميثاق سياسي إقصائي).
- – ضمان الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان في كونيتها وترابطها ( وهو ما يعني مرجعية لا علاقة لها بالإسلام بل بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المحاربة لهويات الشعوب كاتفاقية سيداو على سبيل الذكر والتي يريد حداثيو تونس أن تكون لها العلوية على الإسلام و على كل أحكام الله كالميراث باسم رفع كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة).
- – نموذج مجتمعي يقوم على مبادئ الوسطية والاعتدال والفكر المستنير ، ينبذ العنف ويكرس التعايش بين الأديان وحوار الحضارات ويلتزم بالمساواة بين المواطنين والمواطنات والشراكة بين المرأة والرجل في مختلف المجالات.
- وهنا استغربت من عبير موسي التي تأبى التعايش مع جزء من بني جلدتها وتعاملهم بكل غل وحقد وكراهية لا مثيل لها على أرض تونس وتطالب بالتعايش بين الأديان ..فهل ستنجح في قبول أبناء الامم الاخرى بمعتقداتهم؟ أليس فاقد الشيء لا يعطيه ؟ إلا إذا كانت دعوتها للتعايش بين الاديان يصب في مفهوم آخر لم تفصح عنه ولم توضحه مباشرة.
- هذه هي تونس التي أصبح بعض القوم فيها لا يؤمنون بإرادة الشعب ويتكلمون باسمه ويقررون عنه من يحكمه وهؤلاء القوم لم يتعظوا بنهاية المخلوع الأول الحبيب بورقية الذي ظل يقصي ويقصي إلى أن اماته الله مقصيا و أصبح نسيا منسيا وكذلك الشأن للمخلوع الثاني زين العابدين بن علي الذي تفنن في إقصاء خصومه فمات مقصيا واصبح هو الاخر نسيا منسيا وهو جزاء كل من يسعى إلى الإقصاء والتفرد بالحكم ولسان حاله “أنا أو لا أحد”.
- ختاما…
- أقول لأصحاب هذه المبادرات الاقصائية اتقوا الله في هذا الوطن وفي شعبه وثرواته وثورته ومن غالب الله غلبه ولكم فيمن سبقكم عيرة و آية.