لا زالت محاسنُ الإسلام وفضائله تتجلَّي في كلِّ وقتٍ وحين، خاصة في زمن فيروس كورونا الذي غزى العالم بأسره. وتجلَّت تلك المحاسن في صور متعددة، وعلت فضائله في أشكال متنوعة.
وتوجيه الأنظار إلى تلك المحاسن والفضائل في هذه الأوقات العصيبة من أوجب ما يكون؛ لأنّ فيها تثبيتًا للمسلمين على دينهم وتعزيزًا لليقين بصحته في قلوبهم، وأفراحًا لقلوبهم بتميّز أحكامه، ودفعًا للشُبهات المعادية وإماتة لجهودهم في نقده وتشويهه.
ومن أظهر مميزات محاسن الإسلام التي انجلت مع انتشار فيروس كرورنا أنّها شاملة لمجالات متعددة، فهي تتعلق بالمجال المعرفي والإيماني والمجال الأخلاقي وغيرها من المجالات.
تكامل وشمول في الفضائل
فهذا التكامل والشمول في الفضائل لا يكاد يجده الناس إلاَّ في الإسلام. بظهور هذه المعاني الفاخرة يحق للمسلم أن يصدح بأعلى صوته فخرًا بدينه واعتزازًا به وفرحا بانتسابه إليه.
فمن محاسن الإسلام في زمن الوباء: توسُّع الأفق النظري، وذلك بإشارة النصوص الشرعية إلى أنّ الأسباب الموجبة لوقوع الأوبئة والأمراض متنوعة في طبيعتها وأحكامها وإرشاداها إلى أنّ الأسباب قسمان: بعضها أسباب كونية ترجع إلى فعل الإنسان وخبرته وعلمه الدنيوي، وبعضها أسباب دينية وهي الطاعات والمعاصي التي جعلها الشارع مؤثرة في الأحداث أو حُكم عليها بأنّها مؤثرة.
فالوباء قد يكون واقعا بعدد من الأسباب وليس بسبب واحد، فهذا الوباء كما أنّ له أسبابًا مادية كونية، فقد تكون له أسباب دينية راجعة إلى ذنوب الناس وعصيانهم وبُعدهم عن الله تعالى
وهذه الفضيلة تكشف أنّ عقل المسلم يختلف عن غيره في تفسير الأحداث والتعامل معها، فهو يتعامل مع الأحداث بموازين واسعة ومختلفة في طبيعتها ونوعها عن الموازين التي يتعامل بها العقل المادي الإنساني المجرد، وهذا يجعل تصوُّر المسلم للأحداث وتفسيره لها وطريقة تعامله معها مختلفة عن غيره ممن لا يؤمن بذلك التّنوع في الأسباب.
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: توسيع الأمل، فالمسلم بإيمانه بما جاء في النصوص الشرعية من أخبار فإنّه مع شدّة ألمه واحتياطه من الأمراض والأوبئة إلاّ أنّه يؤمن بأنّه ما من مرض أو وباء إلاّ وله دواء، وهذا الإيمان منه ليس قائمًا على خبرته أو تجربته في الحياة، فهي قد تخيب وقد تكون قاصرة لا يعرف ما يمكن أن تؤول إليه، وإنّما لأجل إيمانه بالخبر الصادق الذي جاء عن طريق الوحي، فعن أبي هريرة أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما أنزل الله داء إلاّ أنزل له شِفاء“.
نعم غير المسلم قد يبحث عن الدواء ولا يكون يائسا، ولكنْ هناك فرق بين من يبحث عن الدواء ولا يدري أله وجود أم لا، وبين من يبحث عن الدواء وعنده علم بأنّه موجود ولكن عليه التنقيب عنه.
فنفسية المسلم في بحثه عن الدواء والتنقيب عنه تتصف بقوة الأمل وسعة الرَّجاء، لإيمانه بأنّه موجود ,وإيمانه بأنّ الله كما أنزل الوباء فقد أنزل معه دواءه وعلاجه.
وهذا يدل على أنّ الإيمان بوجود الدواء يقوِّي النّفس ويعزِّز من رجائها فيكون ذلك سببًا في اندفاع قوة تأثير المرض على الجسم
محاسن الإسلام في زمن الوباء
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: تعزيز الأمان وتقويته، فالمسلم يصاب كغيره من الناس بالأمراض والأوبئة، لكنّه ليس كغيره في الإحساس بالأمان والطمأنينة.
فمع ما يصيبه من الخوف الطبيعي وما يلتزم به من الاحتياط، إلاّ أنّه يؤمن بأنّ الله تعالى يتولى أمره إن توكل عليه، لأنّه يؤمن بقوله تعالى: “وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى الله فَهُو حَسْبُه”.
والمسلم يؤمن بأنّه مهما أصابه من بلاء إلاّ أنّه تحت تدبير ربِّه اللّطيف به، لأنّه يؤمن بقوله تعالى: “الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ”.
فالمسلم يؤمن في قرارة قلبه أنّ الله تعالى مهما كتب على عباده من الأوبئة العظيمة إلاّ أنّه لا يريد بعباده إلاّ الخير لهم، فتسكن نفسه وتطمئن روحه، فهو ليس كالإنسان المادي الذي لا يؤمن إلاّ بالمادة التي لا غرض لها ولا حكمة ولا إرادة ولا غاية.
والمسلم يؤمن بأنّه مهما أصابه من بلاءٍ إلاّ أنّه تحت تدبير ربِّه الرحيم به، الذي كتب على نفسه الرّحمة ورحمته سبقت غضبه، بل إنّه أرحم بنفسه من أمه بل من نفسه، فيتبدَّد الخوف من قلبه ويستقر الأمان في فؤاده، ويقبل على ربِّه بالتّوبة والطاعة والحب والدعاء.
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: كثرة الأجور والثواب، فمع أنّ المسلم يصاب كغيره بالأمراض والأوبئة إلاّ أنّه مع إصابته يظفر بالأجور الكثيرة التي لا حدود لها مع صبره على ما أصابه، فالمسلم يؤمن بقوله تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيرِ حِسَاب”. ومعناه أنّ الصّابر على البلاء يُعطى أجره بغير حدٍ ولا عد ولا مقدار.
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: ظهور الاتساق بين عقيدة المسلم في ربِّه وبين ما يقع، فالمسلم يؤمن بأنّ ربّه وخالقه مدبِّر لكلِّ شيء، وأنّه لم يترك الناس ولا الكون هملاً، وأنّه لا راد لقضائه ولا معقب لأمره، وأنّه فعالٌ لما يريد، وأنّه القوي القادر الذي لا يقف أمام قدرته شيء، وأنّه الذي بيده ملكوت كلِّ شيء، وأنّ الإنسان مهما تطور وارتقى فإنّه يبقى ضعيفًا أمام قدرة الله وتدبيره، وغير ذلك من المعاني العظيمة المتعلقة بعظمة الله تعالى وجلاله وملكوته.
وظهور هذا الوباء في حياة الناس زاد من انكشاف تلك المعاني وأظهرها للغافلين والمُعرضين، ومن أجمل الآيات التي جاءت في هذا السياق في قوله تعالى: “إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُنيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتّى إذَا أَخَذَت الأَرضُ زُخْرُفَهَا وَازَيَنَت وَظَنَ أَهْلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأن لم تَغنَ بالأمْسِ كذلك نُفَصِلُ الآيَاتِ لِقومٍ يَتفكَرونَ”
فهذه الآية تبيِّن حال كثير من المجتمعات الماديّة المعاصرة، فإنّهم قد انفتحت عليهم الدنيا، وشيَّدوا فيها ما يرونه مُسعدًا لهم، وظنوا أنّ كلّ شيء على ما يرام، وأنّه لا ضرر سيأتيهم ولا مرض سيحلُّ بهم. فبين عشية وضحاها انقلبت الأحوال، فأضحى كثير من الناس خائفًا يترقب، وهذا يدل على ضعف الإنسان وعظمة خالقه المدبِّر لهذا الكون.
فالمسلم لا يجد في وقوع البلاء أمرًا مُناقضًا لعقيدته في ربِّه، بل يجد فيها دفعًا لقوة الإيمان بالله وسببًا لشدة التعلق به والتصديق بربوبيته وتدبيره وحكمه، فيتحوَّل الوباء في حق المسلم إلى موعظة بليغة ودعوة صادقة ومنبعًا للرّاحة واليقين بصحة اعتقاده في ربِّه.
محاربة الخرافات
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: محاربة الخرافات، فإذا كان الإسلام وسَّع من أفق عقل المسلم وزرع الأمان في قلبه وقوَّى الأمل في نفسه، فهو في الوقت نفسه قطع الطريق على دخول الخرافات إلى عقله وحرَّم عليه التعلق بالأوهام والأكاذيب.
فقد حرَّم الإسلام التطيُّر، وهو التشاؤم بالمرئيات أو المسموعات أو المعلومات، وهذا التشاؤم ينتشي في النفوس أوقات الأزمات والأوبئة.
فالمسلم في أوقات الأزمات والأوبئة لا يتعلق بالخرافات ولا بالأوهام ولا بالأخبار الكاذبة، ولا يذهب إلى السّحرة والكُّهان، ولا يتوجَّه إلى القبور ولا الأولياء الأموات، وإنّما يتعلق بالله تعالى ويتوكَّل عليه ويعمل بالأسباب الكونية المعتبرة التي يمكن التحقق منها.
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: تعظيم العافية والحرص عليها، فالمسلم مع إيمانه بأنّ كلَّ شيء مكتوب ومقدَّر، إلاّ أنّه مع ذلك يحرص على العافية والسّلامة ويسعى إليها، فالإيمان بالقدر لا يعني أنّ المسلم لا يحتاط لصحته في أوقات الأزمات ولا يسعى للسّلامة من الإصابة بالأمراض والأوبئة.
ولأجل هذا تتالت الأوامر من الله تعالى بأن يبتعد المسلم عن المَهالك ويحرص على السّلامة. يقول تعالى: “وَلاَ تُلقُوا بِأيدِيكُم إلى التَّهلُكَة} وهذا نهيٌ عام يشمل كلَّ ما يدخِل الضرر على المسلم في دينه ودنياه.
ولأجل هذا جاء الإسلام بالعزل الصحي في زمن الأوبئة المعدية، وما ذلك إلاّ لأنّ الإسلام يُعظِّم العافية ويسعى إلى تحقيقها في واقع الناس، فكما أنّ الإسلام يهتم في تشريعاته بدين الناس فإنه يهتم أيضًا بما يتعلق بدنياهم وصحتهم وعافيتهم.
نعم، غيرُ المسلم يهتم بالعافية ويحرص على سلامة جسمه من الأمراض، ولكن هناك فرق بين من يندفع إلى هذا الأمر لمجرد أنّه أمر حياتي، ويبن من يندفع إليه على أنه أمر يحبه الله ويأمر به ويدفع إليه، ويرتِّب عليه الثواب ويعاقب المفرط فيه، فمع كون الحرص على العافية أمرًا فطريًا إلاّ أنّ الإسلام أضاف إليه بعدًا تعبدِّيًا، فأضحى فِعلا متعدد الجوانب والفوائد في حق المسلم.
التعاون وبذل المعروف زمن الأزمات
ومن محاسن الإسلام في زمن الوباء: الدفع إلى التعاون وبذل المعروف وقت الأزمات، لا تكاد تجد دينًا يضمن الحثَّ على إعانة الناس والترغيب في خدمتهم مثل ما تجده في الإسلام، خاصة في أوقات الكرب والمصائب.
والنصوص الشرعية التي جاءت في تعزيز الترابط الاجتماعي مستفيضة، ومن أجمعها قوله صلى الله عليه وسلم: “من نفَّس عن مُؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عَون أخيه“
وقد تفنَّن الدارسون كثيرًا في بيان كيفية بناء الإسلام للمجتمعات الإنسانية، وأكدوا على أنّ من أخص مميزات المجتمع المسلم ظهور معالم التعاون والنفع والتّراحم فيه في كلِّ الأوقات وفي الأزماتِ خاصة.
ولأجل هذه الروح ظهرت في المجتمع الإسلامي حملات التّبرع للفقراء والمساكين في زمن هذا الوباء.
المصادر: موقع أثارة بتصرف
د. سلطان العميري
سهام سايح