الأحداث الأمنيّة وشبه الأمنيّة وما يدور في فلكها الّتي تتلاحق في الأيّام الأخيرة تطرح أسئلة ملحّة على كلّ المهتمّين والمنشغلين بالشّأن العام في البلاد تتلخّص كلّها في عفويّة ما يحصل من عدمها أي هل أنّها أحداث طبيعيّة وليدة حراك سيّاسي مجتمعي أمني أم هي ترجمة لأجندات خفيّة متربّصة تتحيّن الفرصة الملائمة للإنقضاض على الثّورة والإجهاز عليها بل وتبدع في ذلك بأن تسعى إلى ضرب الثّورة برجالاتها وسواعدها الّتي قامت عليها ؟ !
ظاهرة التّنصّت الأمني ثمّ مداهمة مقرّات بعض وسائل الإعلام غير المرضي عنها ثمّ إيقاف عماد دغيج … والحبل على الجرّارة، كلّ هذه الأحداث تستدعي منّا انتباها ويقظة وحذرا شديدا من أن ننزلق بعيدا عن أهدافنا وننخرط قلبا وقالبا في تحقيق أهداف أعداء الثّورة …
يسترعي انتباهي شخصيّا أنّ هذه الأحداث لا تركّز حول التّحدّيات الحقيقيّة الّتي تواجه الوطن وتهدّد أمنه واستقراره وأهمّها الإرهاب والتّنميّة بل وتصرف الجهد والإنتباه العامّين نحو قوّى الثّورة لمحاصرتها وفتح الطّريق معبّدة أمام دولة البوليس وتغوّل اللاّقانون ليعودا من جديد فيحاصرا الوطن والمواطن ويقمعانهما لينتهيا بترويضهما مكرهين مرغمين لدورة جديدة من العبوديّة اللّه وحده يعلم عنفوان سطوتها ومداها الزّمني وتوغّلها في القهر والإذلال والإستبداد والنّهب والإفساد …. إنّها أجندة ضحايا انتخابات 23 أكتوبر 2011 يترجمها الرّباعي “المحايد جدّا” بالوكالة ويسعى من خلالها لخلط الأوراق وتأجيج الوضع الأمني والسّير بنا بعيدا عن مناخات ملائمة لإنجاز انتخابات ديمقراطيّة شفّافة ونزيهة تترجم سيّادة الشّعب وترسّخ مساره الدّيمقراطي فترفع من ترفع وتضع من تضع وتعزّ من تعزّ وتذلّ من تذلّ وتؤخّر من تؤخّر وتقدّم من تقدّم.
أمام هذا التّشخيص يطرح السّؤال حول ضرورة إعادة ترتيب الأولويّات وأحسب شخصيّا أنّ محاصرة ظاهرة تغوّل المشهد البوليسي وتفلّته عن القانون ووأد دولة الإستبداد قبل أن تلد وتترعرع وتنمو وتأتي على الأخضر واليابس أولويّة قصوى يصبح كلّ شيء أمامها ثانويا لأنّ إنجاز الإنتخابات ومؤتمرات الأحزاب وكلّ مكوّنات الحياة السّياسيّة لا قيمة لها ولا نفع إذا كانت محاصرة بدولة البوليس وبالممارسات الخارجة عن القانون تقسّط على الشّعب الحرّية بالقدر الّذي تتزيّن به لأعداء الوطن الدّاخليّين والخارجيّين وبالشّكل الّذي يحكم قبضتها على المجتمع ويزيد سطوتها عليه ويؤمّن استبزازه ونهبه …. فلننتبه ونرتّب أولويّاتنا قبل فوات الأوان …….. فـــ ” يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْركُمْ فَانْفِرُوا ثُبَات أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ”
العربي القاسمي
عضو مجلس شورى حركة النّهضة